لكل شيء ثمنٌ ، غالياً كان
أم رخيصاً ، وكلما غلا الشيء ونفُس ارتفع ثمنُه. ونصرُ الله غالٍ لا يدفع ثمنه إلا
المجاهدون العاملون الذين يبذلون الروح والنفس والمال والوقت في سبيل الله . ومن
نصرَ الله َ في العمل الصالح والبعد عن الزلل أعزّه الله ورفع قدره وجعل الدنيا
لخدمته والآخرة مأواه ، والمؤمن يعلم علم اليقين أن الناصر هو الله ( وما النصر
إلا من عند الله ،إن الله عزيز حكيم ) الأنفال 10، وما نحن في جهادنا إلا ستارٌ
لقدرة الله ( فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم ، وما رميتَ إذ رميتَ ولكنّ الله رمى ،
وليُبليَ المؤمنين منه بلاءً حسَناً ..) الأنفال 17. فأنا أرمي والله تعالى يأذن
بإصابة الهدف ، وأنت أطلقتَ القذيفة نحو العدو، فجعلها الله جلت قدرته في مركز
الإصابة ومنتصف الهدف ، فنلنا – إذ ذاك - بفضل الله أجر المجاهدين الذين أثبتوا
عبوديتهم لله وإيمانهم به ،فقوّى عزيمتهم وثبّت قلوبهم ، وجعل نصره على أيديهم.وما
أروع القاضي الفاضل – وزير الناصر صلاح الدين يزف إلى الأمة الإسلامية نصر الله
على أيديهم فيحمده أن جعلهم أهلاً لذلك النصر وأجراه على أيديهم..
"يا أيها الذين آمنوا
؛ إن تنصروا الله ينصرْكم ويُثَبِّت أقدامكم، والذين كفروا فتَعساً لهم وأضلَّ
أعمالَهم" سورة محمد صلى الله عليه وسلم 7-8.
ونرى الكفار الذين يحاربون
الله تعالى ويمكرون بعباده ويعملون ليل نهار للقضاء على الإسلام وأهله ولإطفاء نور
الحق يبذلون ما يستطيعون للوصول إلى هدفهم ، فيخزيهم الله ( إن الذين كفروا ينفقون
أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله ، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ، ثم يُغلبون ،
والذين كفروا إلى جهنّم يُحشرون ) الانفال36، فهم يخططون ويصرفون الأموال في خدمة
مآربهم فلا يصلون إليها،حين يكون المسلمون واعين متحدين متمسكين بشرع الله وحبله
المتين، فيصيب الكافرين اليأسُ والقنوط ، وتدور الدائرة عليهم، هذا في الدنيا ، ومن
حلّت عليه التعاسة لم يُفلح وخاب تخطيطه
وضل مسعاه ، ثم مأواهم النار خالدين فيها جزاءً وفاقاً.
وقد نرى في عالمنا نصراً
للعدو علينا ، فنعلم أننا خرجنا من دائرة الإيمان الكامل ووقعنا في المحظور الذي
يؤخر النصر، وما علينا إلا أن نؤوب سريعاً إلى الطريق المستقيم.
فالمولى تعالى - في هذه
الآية - يأخذنا إلى طريق الصلاح ويهدينا إليه ويعرّفنا كيفية الوصول إلى الهدف
المنشود في هذه الحياة.
ثم ينادينا مولانا قائلاً
:
"يا أيها الذين آمنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ ، ولا تُبطلوا أعمالَكُم"سورة محمد صلى الله
عليه وسلم 33
إنّ دربَ الهداية الإيمانُ
بالله تعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وفي طاعتهما ، فمن آمن أحبَّ ،
ومن أحبّ أطاع، وما أحكم قول الشاعر :
تعصي الإله وأنت تزعم حبَّه ! هذا لَعمري في القياس بديعٌ
لو كان حبُّك صادقاً لأطعتَه إنّ المحبَّ لمن يُحبُّ مطيعٌ
وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
كلُّ أمتي يدخلون
الجنةَ إلا من أبى . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل
الجنةَ ، ومن عصاني فقد أبى، رواه البخاري رحمه الله في صحيحه.
ولن يُقبل العمل
إلا بطاعتهما فمن حاد عن شرع الله لم يُقبل منه عمله ولا إيمانه ( إن الدين عند
الله الإسلام ) آل عمران 19.(ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه ، وهو في
الآخرة من الخاسرين) آل عمران 85، قواعد ربّانية تاخذ بيد المؤمن الواعي إلى حيث
النجاحُ والفلاحُ بأقصر الطرق وأحكَمِها.
وغير ذلك
الخسارة والبُطلانُ ، وما أسوأ موقف من ظنَّ أنه ينجح في مسعاه بعيداً عن أمر الله
وشرعته ، وسنة رسول الله وإرشاده. ولْنتمعّنْ في قوله سبحانه ( ولا تُبطلوا
أعمالكم ) فكل منّا يعمل، والعاقل يبني
عمله على أساس متين فيرتفع بناؤه عالياً مكيناً ، والجاهل المكابر يبنيه على شفا
جُرُف هار، فينهار به – باطلاً- في قعر جهنّم حيث يسترحم فلا يُرحم ، ويستجدي فلا
يُؤبه له،
إنه سبحانه
ينادينا ، فهل سمعنا النداء يقلوبنا ووعيناه بأفئدتنا ، فإنها لا تعمى الأبصار،
ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق