تمرد الخوارج على علي بن أبي طالب
وأصحابه، وبالتالي على الدولة الإسلامية التي يرأسها شرعاً، وسمي هؤلاء الخوارج بالحرورية
نسبة إلى قرية حروراء التي خرجوا إليها بعد انفصالهم عن علي. كما سموا أيضا الشراة
لأنهم - بزعمهم - قد باعوا أنفسهم لله، واعتقدوا - واهمين - أن قول الله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء
مرضاة الله). قد شملهم بهذه الآية.
واعتبرت هذه الفرقة الخارجة نفسها
من الناحية الدينية أنهم يمثلون الفئة القليلة المؤمنة التي لا تقبل في الحق مساومة،
وكان زعماؤها من جماعة القراء والفقهاء الحريصين على الالتزام بالكتاب والسنة دون مواربة
أو تأويل.
وغدت هذه الفرقة من أشد الفرق الإسلامية
دفاعا عن مذهبها وحماسة لآرائها، وأشد الفرق تدينا في جملتها، وأشدها تهورا واندفاعا،
وهم في دفاعهم وتهورهم مستمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرها وظنوا هذه الظواهر دينا مقدسا،
لا يحيد عنه مؤمن، وقد استولت على ألبابهم كلمة "لا حكم إلا لله" فاتخذوها
ديناً ينادون به، فكانوا كلما رأوا عليا يتكلم قذفوه بهذه الكلمة "لا حكم إلا
لله"، وغدا هذا الشعار يقول به كل من هب ودب وأراد شق صف المسلمين حتى يومنا هذا،
وهي كلمة حق أرادوا بها باطلا.
لقد كان الخوارج في تبنيهم الألفاظ
البراقة، ومن ثم استحواذ هذه الألفاظ على عقولهم ومداركهم يشبهون إلى حد كبير
"اليعاقبة": "ناد سياسي لمع اسمه وازداد نفوذه في أثناء الثورة الفرنسية،
ودعي بهذا الاسم لأنه كان مكان الاجتماع الأصلي لطائفة الرهبان اليعاقبة، أسس عام
1789، وكان يتزعمه قادة معتدلون. ظهروا أيام الثورة الفرنسية"، فقد استولت على
عقولهم - كحال الخوارج - ألفاظ الحرية والإخاء والمساواة، وسوغوا لأنفسهم باسم هذه
الشعارات التي أطلقوها قتل الناس، واستباحة دمائهم، كما استباح خوارج أمتنا لأنفسهم
قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وسفك الدماء وتخضيب الأرض بنجيعه.
وأخذت بهم حماستهم لما يعتقدون مأخذاً
بعيداً وراء حب الفداء والرغبة في الموت والاندفاع وراء المخاطر، من غير أن يكون هناك
ما يدفع إلى ذلك، وربما كان منشؤه هوساً عند بعضهم، واضطرابا في أعصابهم، وهم يشبهون
في ذلك فرقة من النصارى الذين كانوا تحت حكم المسلمين في الأندلس إبان ازدهارها. فقد
أصاب عدداً منهم هوس جعلهم يتسابقون إلى الموت وراء عصبية جامحة، مما أتعب الحُجّاب
وهز مكانة الدولة، وقد أطلق هؤلاء على حركتهم اسم (حركة الاستشهاديين): "حركة
نشأت في العاصمة الأندلسية تزعمها راهب إسباني يدعى (أولوخيو) من عائلة نصرانية عريقة
في نسبها"، هاله ما كان يرى من تحول سريع للإسبان عن دينهم وقوميتهم طواعية وبإقبال
شديد، فحاول خلق حركة تجديد في اللغة اللاتينية لتقريبها من أذواق الشباب وأفهامهم،
ولكن دون جدوى، فمال نحو الدعوة للتمرد على حكم المسلمين، وجنح نحو إثارة الأحقاد ضدهم
والسعي للتخلص من وجودهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق