الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-12-11

الهروب من ألكاتراز – بقلم: أيهم نور الدين


قذائف الجيش الحر التي سقطت في الحديقة الشمالية الواقعة عند الخاصرة اليمنى للقصر بالنسبة للمطل عليه من منطقة المهاجرين ولم تصب حتى الحشائش الاستوائية بأذى قد قلبت كل شيء.

مجرد خمس قذائف هاون عيار 76 مم قلبت كل موازين وحسابات ذلك القابع في قصر الشعب منتظراً من الفريج وجميل حسن ورستم غزالي وعلي مملوك خبر النصر المؤزر على فلول وشراذم المسلحين المأجورين , ولطالما كانت التقارير مشجعة وتكذب حتى ما يشاهده بعينيه للوضع على الأرض .

خمس قذائف يتيمة أشعرت سيد ا
لوطن وكأن حمد والعرعور قد باتوا يشاطرونه فراشه بعد أن كانوا يسكنون أحلامه وهو ما يمكن التغلب عليه ببعض حبات الفاليوم .

سبق وأن حدثه لافروف أن كل شيء يمكن إصلاحه ما لم يصل البل للدقن , والبل هنا قذائف ما يسمى بالجيش الحر, والدقن هو قصر الشعب نفسه لا غيره .

كانت كتائب الجيش الحر قد وصلت إلى كل رقعة في سورية وهو ما جعل قواده الأفذاذ " من منطلق الندّية " يقطعون أواصل دمشق وسورية برمتها , ويقطعون معها أواصل جيشه العقائدي بناء على تعليمات عليا من القيادة العسكرية الروسية.

إن تلك الطريقة الرائعة التي أثبتت فشلها في أفغانستان والشيشان والعراق وليبيا قد أثبتت نجاعتها هنا وكأن القواد الروس منذ سوفوروف والجنراليسمو كوتوزوف لا يخططون إلا لهذه اللحظة .

عامان كاملان وما تزال كتائبه صامدة , وجنوده البواسل الجياع ما انفكوا يلاحقون فلول الإرهابيين في كل مكان وهم يسطرون الملاحم المجيدة على الدنيا والإخبارية وشام إف إم تحت راية " لا إله إلا بشار " المظفرة التي أثبتت للجميع أنها الشعار الأتقى والأنقى في هذا العالم القبيح الجاحد القليل الإيمان , وحدهما العربية والجزيرة لا يرون سوى نصف الكأس الفارغ .

صحيح أن معظم هذه القوات تكرسح و خرج عن سياق التشكيل العسكري ليصبح مجرد أرقام مهلهلة على الورق , لكنها باقية , وإن كانت على الورق .

ألم يقل العم ديكارت منذ فترة  : أنا أفكر إذن أنا موجود , هذا من ذاك , أنا أفكر أن القوات موجودة , إذن هي موجودة واللي ما عجبه علي مملوك بربيّه .

أين هي هناء الصالح وسلام إسحاق وميشلين عازار ليقولوا أن ما جرى في حديقة قصره اليوم ليس حقيقياً , وأن ما رآه وسمعه لم يكن سوى بعض النيرنجات لبعض جماعة السحر والخفة والكحلا بقصد التشويق للترفيه عنه وعن أسماء والأولاد .

الإفكل والرعدة والسوداويه التي رافقته طيلة حياته منذ كان باسل يحبسه في قن الدجاج عادت لتسكنه أقوى من أي وقت مضى .

عالجته نجلاء قباني في إحدى المرات من هذه النوبات المتلاحقة بمعونة العالم الفلكي الكبير مايك فغالي وصنعوا له الكثير من الأحجبه والتمائم والخلطات العربية التي فقدت مفعولها كما يبدو , ولا بد من حجابات وخلطات جديدة .

كانت مشاعر شتى تنتاب هذا الكائن وتضفي على ملامحه البلهاء مسحةً مثيرة للشفقة , رائحة كريهة من الخلّون الأشبه بالبصل المخنفس الممزوج بالفساء بدأت تنبعث من فمه الأبخر أصلاً و بشكل يوحي أن سكر الدم لديه تجاوز الـ 400 ولعل نوبة إغماء سكري ستصيبه بعد قليل وتريحه مما هو فيه .

تمنى لو يطير إلى القرداحة .. إلى غرفة أم عبود التي طالما هرب إليها وهو صغير بعيداً عن سادية باسل وقسوته وتوبيخه الدائم له .

كان يختبئ حينها تحت السرير , واليوم لو " لا قدر الله " وأتاه الجيش الحر فإن خير ملاذ يأويه هو ذلك المخبأ الجهنمي الذي يعجز إبليس بذاته عن إيجاده فيه .

لو كان للقذافي أم عبود لما وصل إليه أعداؤه مهما حاولوا , لكن بو منيار القذافي لم يكن ببعد نظر وذكاء وعبقرية أبيه العظيم وعجز بالتالي عن إيجاد أم عبود ليبية للراحل معمر .

شعر بكل الحنين لذلك السرير المعدني الذي يشكل أكثر الملاذات أمناً في التاريخ .

بدأت التفاصيل تستغرقه : ألن تخرج قدماه من تحت السرير فيراها الثوار ويسحبونه منها كأي متاع , لعن حظه الذي جعله أطول من ذلك السرير , يا ليته بقى على طوله كما هو في سن العاشرة , لكانت الدنيا وسوريا معها .... بخير .

ترتيبات الهروب للوصول إلى الملاذ الآمن غير معقده , وكأي طفل كبير آخر في هذا العالم قرر الهروب جرياً على الأقدام أولاً ثم على البسكليت .

كانت بسكليت الكورس المنزوعة الرفاريف التي طالما استأجرها مجاناً من محل " أبو جورج " بصلنفه أيام مراهقته هي وسيلة الهرب الأكثر نجاعة بعد أن امتلك الجيش الحر صواريخ السام سبعة والستينغر المضادة للطائرات , ولكن .. أين أبو جورج الآن , لعله مات أو ....... لعله إنضم للجيش الحر في هذا العالم الجحود الكنود الذي كفر بربوبيته هو .. بشار الملهم الذي ما جاد الزمان بمثله وبأبيه قط .

لاح طيف ابتسامة على وجهه المصفر وكأن هذه الطفوليات قد أعادت شيئاً من ذاته المفقودة .

خف قليلاً بخر فمه مما يعني أن السكر قد انخفض قليلاً .... لو قدر له أن يعيش لكتب كتاباً عن العلاج بالذكريات , فهو والله أنجع من العلاج بأعشاب amana care التي طالما طبلت لها محطات نصر الله ونبيه بري وصرعت هديل العلي سماه بفعاليتها وقدرتها العلاجية المذهلة .

..
كان العقيد كاربوف من فرقة المهام الخاصة الروسية والعميد أصغر ركن أبادي من الحرس الثوري قد أعدوا كل الترتيبات لانطلاق الموكب الميمون إلى حاجز المصنع عبر نفق يربط القصر بالحدود اللبنانية واستغرق بنائه أكثر من ثلاثين عاماً كلف خلالها خزينة الدولة " هديك الحسبة " .

كان الأسد الأب الذي أصر على بناء النفق وكأنه ينظر للغيب بستر رقيق قد أوصى بشاراً وهو على فراش الموت أن ينهي هذا العمل بأي ثمن , وهو ما فعله منذ اليوم الأول لحكمه , وهاهو النفق ينتهي منذ أسبوع فقط .

عندما سمع وصية أبيه العظيم عن ضرورة إتمام النفق حسبها مجرد رغبة عجوز خرف على فراش الموت , لكنه براً بوعده – وهذه إحدى المرات النادرة التي يبر بها بشيء في حياته – ولعله عقله الباطن وخوفه المبهم من المستقبل , وليس مجرد بر الوالدين هو الذي دفعه لإتمام هذا العمل الجبار , وها هو يستخدمه للفرار بحياته بعد أقل من أسبوع على الانتهاء منه .. لا بد وأن روح أبيه طلبت الرحمة مقابل ملايين اللعنات التي تلهج بها على الدوام شفاه هذا الشعب الجاحد .

كان جنود نصر الله المقربين , مسلحين بالسلاح النظيف والمال النظيف قد بنوا قاعدة لهم عند نهاية النفق وجهزوها بحوامة يقودها طيار مخضرم إيراني الصنع لا يشبه بأي شكل طياري جيشنا العقائدي الأبطال الذين يتساقطون كالذباب بمضادات أرضية وبدونها .

سيارة كهربائية صديقة للبيئة نقلته وأسماء وحافظ الثاني وأنيسة الصغرى عبر هذا النفق السيئ التهوية والإنارة إلى الجهة الأخرى حيث كان القائد الميداني لنصر الله ينتظر , بينما كانت تسع سيارات أخرى صديقة للبيئة أيضاً تنقل الضابط الروسي والثاني الإيراني ومرافقيهما بالإضافة لما تيسر من سندات الخزينة التي تعتبر الضامن الوحيد لليرة السورية المتهالكة .

جمالية سندات الخزينة هذه أنه يمكن تسييلها في أي مكان بالعالم , ولحاملها أياً كان أسمه أو شكله أو جنسيته .
والأجمل أن أحداً لم يعلم بهذا , اقتراح العقيد بهمن لال عن ضرورة قطع النت والاتصالات عن سورية كلها قبل البدء بعملية السطو هذه كان في محله .
صحيح أن الفترة الزمنية بين اصدار المرسوم القاضي بسحب كافة الأصول من المصرف المركزي وبين تنفيذه لم تستغرق ثلاث ساعات , ولكن ليس من الضير قطع الاتصالات وشبكة النت لثلاثة أيام قطعاً لدابر أية أقاويل أو شكوك .
..
انطلقت الحوامة عبر البحر بإتجاه ميناء طرطوس لتحط على سفينة القيادة الروسية " ألكسندر الثاني " التي سرعان ما غادرت مرفأ طرطوس مع حمولتها الدوكما لتقف على حدود المياه الدولية على بعد اثني عشر ميلاً بحرياً .

...
ما زال الأسد يتحسر , ويتمنى لو استطاع الفرار على بسكليت الكورس البلا رفاريف نحو ذلك السرير المعدني في بيت أم عبود , لكان هذا أكثر أمناً ولارتاح على الأقل من دوار البحر الذي لم يفارقه وأسماء والأولاد منذ استوطنوا البارجة .

هناك 3 تعليقات:

  1. ابدااااااع لكن الواقع على الارض يقول غير هذا

    ردحذف
  2. نقلاً عن صفحة أيهم نور الدين على الفيس بوك :

    عندما كتبت قصتي " الهروب من ألكاتراز " قبل شهر ظن بعضكم أن أيهم نور الدين يستشرف ويستقرئ بعد سيجارة حشيش أو كام حبة كبتاجون .

    شرفوا شرحو لي :
    كمان العربية تستشرف بنفس الطريقة الأيهمية ؟
    ..
    لو الجزيرة كنا قلنا بيجوز , فحبوب الجزيرة نت ما زالت معامل حمد الصغير في قطر تنتجها بوفرة .
    ====================
    لله قلمك ياأيهم لأن الواقع كذلك يقول هذا
    لقد شاهدت تقرير العربية قبل يومين وهو مطابق لقصتك هذه حتى في التفاصيل

    ردحذف
  3. الأخ الفاضل " غير معرف " الكريم ::
    خجلتني بنفس المقدار الذي أثلجت صدري به .
    ما أجمل مرورك الكريم وتذكرك للقصة أيها الحر " محمد . م "

    ردحذف