الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ
فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ
اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا
أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة.
لن
نخوض في صحة الإحرام بالحج في غير أشهر الحج ولكن ننوه إلى أن الشافعية قالوا به
في أشهُرِ الحج فقط ، وجوّزه الأحناف في كل شهور السنة
وأشهُرُ
الحج المعلومات شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة غير أن الأشهر الحرم يدخل فيها
المحرّم ويخرج منها شوال ، وينفرد رجب.
وقد
ثبت عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما كانا يحبان الاعتمار في غير أشهر الحج
وينهيان عن ذلك في أشهر الحج والله أعلم.
1-
فمن أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب (الرفث) وهو الجماع كما قال تعالى " أحل
لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " ويَحرُم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل
ونحو ذلك وكذلك التكلم به في حضرة النساء
. وروي أن ابن عباس كان يحدو وهو محرم وهو يقول :
وهُنَّ يمشين بنا هميسا إن تصدقِ الطير نَنِكْ لميسا
فراجعه
أبو العالية : فقال تكلمُ بالرفث وأنت محرم ؟ قال : إنما الرفث ما قيل عند النساء.
وقال عبد الله بن طاوس عن أبيه :سألت ابن عباس عن قول الله عز وجل " فلا رفث
ولا فسوق " قال : الرفث التعريض بذكر الجماع، وهو أدنى الرفث . وقال عطاء بن
أبي رباح : الرفث الجماعُ وما دونه من قول الفحش . وكذا قال عمرو بن دينار. وقال
عطاء : كانوا يكرهون (العرابة) وهو التعريض وهو مُحرِمٌ . وقال طاوس : وهو أن يقول
للمرأة إذا حللتُ أصبتك . ويدخل فيها القبلة والغمز .
2-
أما " الفسوقُ" فعصيان الله صيداً أو غيره ، وهو – كذلك- السبابُ وخصام
المسلمين وإيذاؤهم، والتنابز بالألقاب وإتيانُ معاصي الله في الحرم. كما نهى تعالى
عن الظلم في الأشهر الحرم وإن كان في جميع السنة منهيّاً عنه إلا أنه في الأشهر
الحرم آكد ولهذا قال : " منها أربعة حرم ،ذلك الدين القيِّم فلا تظلموا فيهن
أنفسكم " وعصيان أوامر الله وتناسيها ظلم للنفس وبُعدٌ بها عن حياة المسلم الحقِّ.
وقال في الحرم : " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " وقد ثبت
في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حج
هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيومَ ولدته أمُّه" . وقال:" والحج المبرور ليس له
جزاء إلا الجنة " أخرجه مسلم وغيره , وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( والذي نفسي بيده ما بين السماء والأرض من عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله أو
حجة مبرورة لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال ) , وقال الفقهاء : الحج المبرور هو الذي
لم يُعصَ الله تعالى فيه أثناء أدائه.
3- وللجدال معانٍ ذكرهاالعلماء ،
منها:
أ- نسيء الاشهر الحُرم التي كان بعض
العرب يفعلونها ، فيُقدِّمون بعض الأشهر الحِلّ ويؤخرون بعضها للغزو أو الرعي ..
ب- جدال الناس من غير الحجاج أيام
الحج في حياتهم ،وكأن عليهم أن يشاركوا الحجيج مناسكهم
عن بعد، وقد حثّنا النبي صلى الله
عليه وسلم أن نكثر العمل الصالح في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة ، فقد روى ابن
عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام- يعني أيام - العشر قالوا
يا رسول اللهِ ولا الجهادُ في سبيل الله قال ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجل خرج
بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".وروى أبو قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال:": يُكفِّرُ
السَّنةَ الماضيةَ والباقيةَ ، وسُئل عن صومِ يومِ عاشوراءَ فقال : يُكفِّرُ
السَّنةَ الماضيةَ".
ج- وفي قوله
سبحانه " وما تفعلوا من خير يعلمْه الله" تنبيه إلى علم الله تعالى
بأحوالنا وأعمالنا وتحذيرٌ من مخالفة أمره ، وذكرَ القرآنُ كلمة (الخير) وتجاوزَ
عن كلمة (الشر) اختصاراً وتربيةً، وكأنه سبحانه بعدم ذكرها يحضنا أن نكون من أهل
الخير ونترك فعل الشر.
د- ويدعونا الله
تعالى بقوله:" وتزوّدوا ، فإن خير الزاد التقوى"إلى أكثر من أمر:
-
أن تكون التقوى
معيارَ حياتنا ، والحجُّ من التقوى.فهو من أركان الإسلام.
-
أن يتزود الرجل
في سفره إلى الحج فإن لم يستطع فليس عليه حجٌّ، ولا يعتمد على غيره في زوّادة حجه.
-
أن يكون الحاجُّ
كريماً يطعم إخوانه من الحجاج من أطايب طعامه الذي يحمله معه .ويعين أهل الحرم (
وكان هذا ديدن الحجاج قبل يُسر أهل الحرم).
هـ- والآيات التي سبقت هذه الآية تحدد مناسك الحج ،
وتوضحها ، فمن التزمها كان تقياً وصحّ حجُّه ،إن تقوى الله تعالى السبيلُ إلى رضاه
،وما يفعل ذلك إلا أولو الألباب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق