قُل
لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)
المائدة.
المسلم
العاقل يتجنب الحرام ويدعه ، ويكتفي بالحلال ويقنع به. فعن القاسم أبي أمامة أن
ثعلبة ابن حاطب الأنصاري قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال النبي
صلى الله عليه وسلم" قليلٌ تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " . فالقليل
الحلالُ النافع خير من الكثير الحرام الضارِّ ، وقد جاء في الحديث " ما قلَّ
وكفى خيرٌ مما كثر وألهى "
يأمر
الله تعالى نبيه المعلّم صلى الله عليه وسلم أن يوضح للمسلمين أنه لا يستوي الخبيث
– ولو أعجبتنا كثرتُه - والطيبُ ولو قلَّ فهو الخير والبركة . إنّ الطيّب ينمو
ويكبر وأثره إيجابي في حياة الفرد والمجتمع ،
إنَّ
كلمة ( قل) توحي أن على العالم أن يكون نبراساً يهتدي به الناس ، يدلهم على الصراط
السوي ، ويصحح مفاهيم الحياة ، فينفي خبَثَها ويُثْبت صالحها ، وينبغي أن نوسع
دائرة الكلمة ( قل) فيعلمَ الأب أولاده والأخ إخوانه ، والجارُ جيرانه والمرأة
زائراتها، فينتشر العلم والمعرفة في المجتمع المسلم ، وما أجمل قول الشاعر:
تعلّمْ ، فليس المرء يولد
عالماً .... وليس أخو جهل كمن هو عالمٌ
وقد
قال تعالى : "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو
الألباب" الزمر 9 ولعلنا نُعرِّج على هذه الآية في وقتها. وفي القرآن الكريم
ستة عشر آية تبدأ بـ( يسألونك) ويتبعها قوله تعالى : (قل). فما ينبغي للمعلم أن
يكتم علماً . وفي الأثر: كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ولا تكن الرابعة فتهلك .
والرابعة ( الجهل).
ولن
يستوي الخبيثُ ولا الطيب، لا الحلال ولا الحرام ،ولا المؤمن ولا الكافر، ولا
المطيع ولا العاصي ،ولا الرديء ولا الجيد ، ولا العالم والجاهل ، ولا البلد الطيب والبلد
الخبيث " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا
" الأعراف : 58 ، وقد قال تعالى : " " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا
الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " ص : 28 وقوله سبحانه:"
أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات "
الجاثية :21
وعاقبة
الخبيث الخسرانُ وإن كثر، وعاقبة الطيّب النماءُ ولو قلَّ ، فذاك في أتون النار
وهذا في الفردوس الأعلى، يقول القرطبي رحمه الله : فالخبيث لا يساوي الطيِّبَ
مقدارا ولا إنفاقا , ولا مكانا ولا ذهابا , فالطيب يأخذ جهة اليمين , والخبيث يأخذ
جهة الشمال , والطيب في الجنة , والخبيث في النار، وهذا بيُّن .ويقول رحمه الله في
تفسيره الرائع لهذه الآية : [فالخبيث من هذا كله لا يفلح ولا ينجب , ولا تحسن له
عاقبة وإن كثر , والطيب وإن قلَّ نافعٌ جميل العاقبة . وحقيقة الاستواء الاستمرار
في جهة واحدة , ومثله الاستقامة وضدها الاعوجاج ,].
لن
يعجبنا – معشر المسلمين – كثرةُ الخبيث ،لكنّ أكثر الناس تحكمهم شهواتهم ورغباتهم
الآنيّة التي يحققها الخبيث دون أساس متين ، فيظهر لأولي العقول القاصرة أنه يحقق
مآربهم ويُعجبون به ، فيعميهم عن الحق والعمل الطيب ، فيمتنعون عنه وقد يحاربونه،
إن الحقَّ ثمين لا يقدر عليه إلا راغبه وقاصده المجتهد، لا يصبر عليه إلا العالمون
ذوو القلوب الشفافة والأفئدة الواعية .
فإذا
توقفنا عند قوله تعالى " لعلّكم" وجدناها تتوضح في قوله سبحانه ( لعلّكم
تشكرون ، لعلكم تُفلحون ، لعلكم تذَكّرون ، لعلكم تعقلون ، لعلّه ...أو يخشى ) فهي
في غير كتاب الله ترجٍّ وفي كتاب الله وعدٌ وانتهاء الغاية ( وصول إلى الهدف) ، ومن لا يودُّ تحقيق هدفه
والوصول إلى مأربه؟!.وقد تكون ( لعلّ) تعليلاً كقولنا : اتق الله لعلك تنجو ،
والمعنى : لتنجوَ، فتبقى في نطاق الهدف الأول .
ومن
صفات أولي الألباب في هذه الاية الكريمة:
1-
وعي الأمور وإدراكها : بحيث يعلمون أن الخير والشر متناقضان لا يستويان .
2-
البعد عما يضرُّ والقرب مما ينفع: والخبيث
ضار والطيب نافع.
3-
واجب أولي الألباب في النصح والتوجيه وتعليم الناس الخير.
4-
التحلّي بالتقوى فإنها أسُّ الحياة والنجاة .ولا فلاح إلا بها.والفلاح نجاة من
النار وفوز بالجنّة، وقبل ذلك نجاة من غضب الجبار ، وفوز برضاه سبحانه.
أولو
الألباب يقرؤون صفحات الحياة واضحة جليّة ، فيأخذون ما ينفعهم في الوصول إلى الهدف
المرجوّ ، ويسيرون في دربهم مطمئنين إلى سلامته من كل اعوجاج وانحراف ، فهم على
نور من ربهم .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق