الحكمة رزق كريم، وفضل عميم، من تحلّى
بها فقد نال الكرامة في الدنيا وأوصلته مع الإيمان بالله والعمل الصالح إلى جنة
عرضها السماوات والأرض، ولا ينالها إلا المحظوظ.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم آتـاه الله
الحكمة ليعلمها المسلمين، فينتفعوا "لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم
رسولاً من أنفسهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من
قبل لفي ضلال مبين" آل عمران (164).
وقال تعالى في الآية الثانية من سورة الجمعة:
"هو الذي بعث في
الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا
من قبل لفي ضلال مبين".
وقال تعالى منبهاً
إلى الطريقة المثلى في الدعوة إلى الله:
"ادع إلى سبيل
ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" النحل (125)
قال القرطبي في
تفسيرها: الحكمة: تلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف.
وعيسى عليه السلام
آتاه الله الحكمة كذلك:
"وإذ علمتك
الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" المائدة (110).
وأخبرنا عن داوود
عليه السلام:
"وشددنا ملكه
وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب" ص (20).
وقال في حق لقمان
الحكيم:
"ولقد آتينا
لقمان الحكمة أن اشكر لله". لقمان (12)
فما هي الحكمة؟
قال مالك: المعرفةُ
بالدين، والفقه بالتأويل، والفهمُ الذي هو سجيّة ونورٌ من الله تعالى.
وقال قتادة: هي
السنّة، وبيان الشرائع.
وقيل: هي الحكم
والقضاء خاصة.
وقيل: الحكمة شكر
الله تعالى.. ألم يقل الله تعالى:
"ولقد آتينا
لقمان الحكمة أن اشكر لله؟!"
وأرى أن الحكمة في
الدعوة تراعي مقتضى الحال:
1 – فمن كان ذا عقل
وبصيرة خوطب بالحجة والبرهان.
2 – ومن كان عالماً
بُسِطت له الأدلة ووسائل التدبُّر.
3 – ومن كان لطيفاً
مهذباً خوطب بما يناسبه.
4 – ومن كان جاهلاً
عُلِّم واعتني به.
5 – ومن سفِه وتطاولَ
قُمعَ، ونُهر.
وقال تعالى- [وهنا بيت القصيد في مقالنا هذا]:
"يُؤتِي
الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ" (269) البقرة.
فلا
ينال الحكمة إلا من شاء الله تعالى له المكانة العالية في الدارين ، ولهذا جاء قولُه سبحانه:"
يؤتي الحكمة من يشاء " شرحها ابن عباس رضي الله عنهما: (المعرفة بالقرآن ناسخِه
ومنسوخِه ومحكمِه ومتشابهِه ومقدمِه ومؤخرِه وحلالِه وحرامِه وأمثاله)
وقال
الحسنُ البصري رحمه الله تعالى : هي الوَرَعُ
وقال
مجاهد: (الحكمةُ الإصابة في القول والعلم والفقهُ والقرآن).
وقال
أبو العالية : الحكمة خشية الله فإن خشية الله رأس كل حكمة ، وهو قول ابن مسعود
رضي الله عنه، وقال بعضهم : السنّة والفهمُ والفقهُ في دين الله
وقال
السدي : الحكمة النبوةُ .والصحيح أن الحكمة كما قاله الجمهور لا تختص بالنبوة بل
هي أعم منها وأعلاها النبوة والرسالة أخص ،( قالها ابن كثير).
وقال
القرطبيُّ في تفسيره:( إن الحكمة مصدرٌ من الإحكام ،وهو الإتقان في قولٍ أو فعلٍ ,
فكل ما ذكر فهو نوع من الحكمة التي هي الجنس , فكتابُ الله حكمة , وسنة نبيه حكمة
, وكلُّ ما ذكر من التفضيل فهو حكمة . وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه , فقيل
للعلم حكمة لأنه يمتنع به , وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح , وكذا
القرآن والعقل والفهم .
عن
ابن مسعود قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول :(لا حسد إلا في
اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي
بها ويعلمها ) رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهما."
وذكرَ
ثابتُ بن عجلان الأنصاري قال : كان يقال : إن الله ليريد العذاب بأهل الأرض فإذا
سمع تعليم المعلم الصبيان الحكمة صرف ذلك عنهم . والحكمة ( القرآن)
فمن
أوتي هذه الفضائل فقد دخل ابوابَ الخير كلها، وأعطي ما لم يُعطَ غيرُه. ولعلنا
نذكر قوله تعالى" وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " [ الإسراء : 85 ] . فسمى
عطاء الحكمة خيراً كثيراً ; وكان العلم إلى جانبها قليلاً ،فكانت الحكمة جوامع
الكلم .
وحين
أعطى الله بعض أهل الدنيا مالاً كثيراً سمّاه متاعاً ، والمتاع زائل فقال "
قل متاعُ الدنيا قليل" وسمّى الحكمة خيراً كثيراً
وما
ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لبٌّ وعقلٌ يعي به الخطاب ومعنى الكلام .وما
يعرف الحكمة وفضلها إلا أولو الألباب ، ولا ينالها سواهم ، فهم وحدهم من يعرف
فضلها ،ويعمل بها ، وصاحب اللب ذكي زكي ، أديب اريب...
اللهم
ارزقنا الفهم والدراية وحُسن العمل واجعلنا من ( أولي الألباب)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق