إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ
لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) البقرة.
روي
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزلت هذه الآية على النبي قام يصلي ,
فأتاه بلال يؤذِنه بالصلاة ( يُعلمُه) فرآه يبكي فقال : يا رسول الله , أتبكي وقد
غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ! فقال: ( يا بلال , أفلا أكون عبدا شكورا
ولقد أنزل الله عليَّ الليلة آية " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل
والنهار لآيات لأولي الألباب " - ثم قال : ( ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها )
.
فمن
معاني الآية – كما ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى : أنه سبحانه ينبهنا إلى ارتفاع
السماء واتساعها وخفض الأرض وكثافتها واتضاعها وما فيهما من الآيات المشاهدة
العظيمة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار
وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص فهذا الخلق
المتناسق العظيم يدل على وجود خالق بديع أوجَدَهما، وأنّ تعاقب الليل والنهار
وتقارضهما الطول والقصر . فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان ثم يأخذ هذا من
هذا ،فيطولُ الذي كان قصيرا ، ويقصر الذي كان طويلا بتقدير العزيز العليم " فيه
آياتٌ لأصحاب العقول التامة الزكية التي
تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها . وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون ،الذين
قال الله فيهم " وكأيّن من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون
وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ".
فلا
بدّ من التفكر والتدبّر،إذ لا تصدر إلا عن حيٍّ قيوم قدير وقدوس غني عن العالمين
حتى يكون إيمانهم مستندا إلى اليقين لا إلى التقليد .( قاله القرطبي رحمه الله).
ويقوله معه أهل القلوب الحية والأفئدة الطيبة والعقول الصحيحة الذين يستعملون
عقولهم في التأمل والاستدلال.إنهم أولو الألباب.
فما
سمات أولي الألباب في الآيات التي تلي هذه الاية الكريمة؟.
1-
أول ما نلقاه من سماتهم: ذكرُهم الدائم لله تعالى في قيامهم وقعودهم وتحوّلهم إلى
النوم وبعد استيقاظهم، حياتهم كلها لله تعالى ، وألسنتهم رطبة بذكر ربهم تسبيحاً
وحمداً واستغفاراً وتهليلاً ، لا يفتأون يذكرون الله ويعظمونه.
2-
يتفكرون في ما خلق اللهُ من سماء وأرض ودقة في الصنع وعظمة في الإبداع وحكمة في
السبب ، ويعلمون ان الله تعالى ما خلق هذا لعباً – حاشا وكلاّ- إنما خلقه لأمر
يريده وهدف ،علينا أن نعمل له ونسعى بين يديه، فمن أحسن فله الثواب ومن أنكر وأساء
وتجافى فله العقاب ، فكان دعاء المسلم العاقل:" سبحانك ، فقنا عذاب
النار" .فمن سقط في الامتحان ونال العقاب خاب وخسر.
3-
من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم وأجاب نداءه فآمن بالله وأطاعه غفر الله ذنوبه
وكفّر عنه سيئاته وحشره حين يتوفاه مع الصالحين الأبرار، وما أسعده إذ ذاك وما
أكرمه حين ينال رضا ربه، فيقربه ويدخله جنته بعفوه ومنّه وكرمه.
4-
قلوبهم معلقة بالله تعالى يسألونه الهدى والتقى والعفاف والغنى ويرجونه أن يكرمهم
يوم تبيضُّ وجوه وتسوَدُّ وجوه ‘ إنه يوم القيامة ، يوم الحسرة والندامة ،وهو يوم
الجود والكرم لمن كان من عباد الله الصالحين.
5-
وهم الذين هاجروا إلى بلاد الإيمان وهجروا المعاصي ،وهم الذين صبروا على
الابتلاءات حين أوذوا في سبيل الله وقاتلوا وقُتِلوا ، وبذلوا الغالي والرخيص في
سبيل الله ،وما وهنوا لما أصابهم في سبيله تعالى.
قال
العلماء : يستحب لمن انتبه من نومه أن يمسح على وجهه , ويستفتح قيامه بقراءة هذه الآيات
العشر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم , ثبت ذلك في الصحيحين ، ثم يصلي ما كتب
له , فيجمع بين التفكر والعمل , وهو أفضل العمل على ما يأتي بيانه في هذه الآية
بعد هذا .
اللهم
اجعلنا من أولي الألباب. وأدخلنا الجنة مع الأحباب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق