لم تتبدل نظم الحروب والمنتصرين إلا
في الشكل لا في المضمون، فالإسلام عندما فرض الجزية واستخدم نظام الرق وغيره، لم يفعل
ذلك إلا على أساس المعاملة بالمثل عند الآخر، والجزية مكان الضرائب المرهقة التي كانوا
يفرضونها على الناس، بل كان رحيماً في البلاد التي يغزوها، حيث أمر اجناده بعدم مقاتلة
إلا من يرفع السيف وأوصى بوصايا جاءت مُجملة على لسان أبي بكر الصديق لجنوده رضوان
الله عليهم " لا تقتلوا صبيا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا ولا مريضا ولا راهبا ولا
تقطعوا مثمرا ولا تخربوا عامرا ولا تذبحوا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكل ولا تغرقوا نخلا
ولا تحرقوه ... " وكذلك كان أول من دعى الى تحرير العبيد بنظام الكفارات والمكاتبة
وغيرهما ....، وأما عن الجزية فهي نوع من أنواع الواجبات المُحقّة للدولة على الشخص
كقيمة رمزية إن كان عنده استطاعة، بينما العبء الأكبر في الجباية على المسلمين من الزكاة
والصدقات وغيرها، وكانت تُفرض على أشخاص، وتُفرض على دول بما لايرهقها لكونها تدخل
تحت اطار حماية الدولة الاسلامية إن تعرضت للهجوم
ودارت الأيام، وبقيت دولة الاسلام
قائمة على مدار 1400 عام مهابة الجانب، لها أنظمتها الاسلامية، يتعايش فيها كل الأشكال
والألوان والفيسفاء الديني والعرقي، فرأينا معظم الأقليات المضطهدة في العالم تأوي
الى تلك الدولة، الى نهاية الدولة العثمانية وسقوطها، والدخول في الحرب العالمية الأولى
والثانية،لتتغير الأنظمة بخروج منتصرين، يفرضوا قوانينهم، تحت اطار القوّة الخشنة والناعمة،
فتستعمر البلاد، وتُقسّم الدول العربية في معاهدة سايكس بيكو، ويتم الاستسلام لها،
ويؤتى بأنظمة موالية للغرب ترعى مصالحهم أولاً، ومعظم قادتها ليسوا بأكثر من شرطة على
الشعوب لتقمعهم، بينما هذا المستعمر أصبح شريكاً لنا بالوطن حتى في الهواء الذي نتنفسه،
حصته في النفط والثروات والمشاريع، وفرض إتاوات ضخمة على الدول والحكام، من خلال مشاريع
وهمية، وديون مركبة على الشعوب، ودفوعات على تلك الدول القيام بها لصالح الأجنبي في
المنطقة، يكفي أن اشير بهذا الصدد على ديون مصر التي قاربت الثلاثمائة مليار دولار،
40% من الناتج القومي يذهب لسداد فوائد الديون في مصر سنوياً، في نفس الوقت الذي كان
فيه حسني مبارك يُعطي الغاز لإسرائيل بنصف قيمته، بينما السيسي تخلى عن حقول الغاز
الأضخم في العالم قبالة السواحل المصرية لصالح اسرائيل، كرم مابعده كرم إرضاء لأسياده،
وفي سورية الروسي كان يسرح ويمرح فيها، ويأخذ معظم المنتج القومي والمحاصيل العالية
الجودة كإتاوات ومقابل تسليح العصابة الأسدية، ودعم بقائها، حتى صارت سورية اليوم واقعة
تحت الاحتلال الايراني، بينما في ليبيا الغنية بالبترول فكل مواردها مودعة بالبنوك
الأوربية لصالح العائلة القذافية الوضيعة، معظمها تم نهبه عند سقوط القذافي، وتبلغ
ترليون دولار، عدا عن الحسابات الشخصية لهذه العائلة ومقربيها، لم يشعر الشعب الليبي
بأي أثر من نعمة من وراء هذه الثروة النفطية
فنفط العرب ليس للعرب، نعم قد يستفيد
منه أباطرة البغي والطغيان على نطاق ضيق في بلدانهم، ولكن ليس بالصورة الأمثل كما في
الجزائر التي ترسوا على بحر من الغاز، والملايين من شبابها يغادرونها بحثاً عن العمل
وتحسين الوضع، بينما بما نسبته 30% من الشباب عاطل عن العمل تحت عوز الفقر والحاجة،
وكذلك قد يكون نقمة على دول أخرى، إذ ا ماعرفنا أن لأمريكا والشركات الأجنبية نسبة
مشاركة في آبار النفط والإنتاج لايُستان بها في دول الخليج العربي ودول مجاورة، عدا
عن اضطرار الخليج لدفع فواتير كثيرة لاناقة لهم فيها ولاجمل، وإدخالهم في مضاربات كما
في عام 2009 وخسارتهم ل 2.5 ترليون دولار دون أن يكون لهم حق المسائلة فيها، وأوشكت
دويلة دبي على الافلاس لو تدخل امارة أبو ظبي، عدا عن أن هذه الدويلة معظم اقتصادها
بأيدي ايرانيين، هذه الدويلة وغيرها مؤخراً سخّروا نفطهم لطعن الأمّة في ظهرها، فوجدنا
اليمن قد وصلت الى مرحلة الانهيار التام من وراء تدخلاتهم التي تدخل في اطار التفتيت،
حتى وجدنا الى أين صارت الأمور فيها، ودعموا انقلاباً دموياً على الشرعية في مصر بمليارات
الدولارات التي أنفقوها لتكون فيما بعد حسرة عليهم، في نفس الوقت الذي رأينا فيه مصر
في ظل الانقلاب الى الوراء لمائة عام، بدلاً من ان تكون رديفاً لهم، صارت عبئاً عليهم،
والإيراني يتقدم من كل الاتجاهات ويحاصرهم، وقد أعلنوا الدولة الخامسة ممن سيتحكمون
فيها بعد سورية ولبنان والعراق الذين زارهم لاريجاني مؤخراً متفقداً لأطراف امبراطوريته
واليمن الرابعة كما قالوا هي السعودية، وفتنة دموية في ليبيا خلقوها، وبث الخلاف في
تونس، وتصنيف للثورة السورية بالإرهاب، ودون تقديم أي دعم للاجئين ونازحي سورية مثلما
يقول من الجمل أُذنه أو الفتات، فإذاً النفط لم يكن للعرب ولصالح العرب بمجمله، بل
كان نقمة وليس نعمة، واليوم نرى هبوطاً في أسعار النفط الى مادون 50% من سعره تحت ال
60 دولار للبرميل وقد يصل الى 30 دولار لأن النفط الصخري الأمريكي الكبير يتحمل تكاليف
الانتاج مادون ال 30 دولار، لعدم وجود ضرائب عليه، ولإنتاجه في الأرض الأمريكية والدعم
الحكومي له، ليُطالب جون مكين بتقديم الشكر لدول الخليج لأنهم تسببوا في انخفاض أسعار
النفط وأوقعوا الروس في ورطة، فهل يحتاج الأمر الى تفسير أكثر من أننا واقعين تحت ضغط
جزيتهم المتضاعفة عن مفهوم الجزية المتعارف عليه آلاف بل ملايين المرات، وأن بلداننا
ليست أكثر من ولايات وحاميات لهم، مع ما لهذا الخفض من فوائد لضرب الاقتصاد الروسي
والإيراني، ولكن فاتورته تتحمله بلادنا، بينما هم من مصلحتهم خفض القيمة للتسويق ولإدارة
عجلتهم الاقتصادية المبنية على الصناعة، وأيضاً خفض النفط ليس بإرادتنا، بل بإرادة
الآخرين
مؤمن محمد نديم كويفاتيه mnq62@hotmail.com ، كاتب وباحث - سياسي وإعلامي سوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق