تقول:
نذرت بالشيء أنذر إذا علمتَ به فاستعددْتَ له، ولم يستعملوا منه مصدرا كما لم
يستعملوا من عسى وليس، وكأنهم استغنَوا بـ(أنْ) والفعل كقولك : سرني أنْ نذرتُ
بالشيء .( قاله القرطبي).
وحين
نقرأ قوله تعالى :
"
هذا بلاغ للناس ولِيُنذَروا بهِ،ولِيعلموا أنّما هو إلهٌ واحدٌ ، ولِيَذَّكَّرَ
أولوا الألباب." إبراهيم 52.
نعلم
أن الله تعالى أنزل القرآن بلاغاً للناس ، والبلاغُ قد يكون للتعليم ،وقد يكون
للحضِّ، وقد يكون للإنذار ، والبلاغُ غير الوصول ، فـ (البلاغُ) يعني التوطُّنَ والامتزاجَ ليكون
عنصراً أساسياً في التكوين وجزءاً فاعلاً في الحياة ، و(الوصول) لا يؤدي ذلك
المعنى الذي يؤديه البلاغ . وبهذا نفهم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي
رواه الحاكم في مستدركه عن تميم الداريّ"ليبلُغنَّ هذا الأمرُ مبلغَ اللَّيلِ والنَّهارِ، ولا يترُكُ اللَّهُ
بيتَ مدرٍ ولا وبرٍ إلَّا أدخلَهُ هذا الدِّينَ بعزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، يُعَزُّ بعِزِّ اللَّهِ في
الإسلامِ، ويذلَّ بِهِ في الكفر" وَكانَ تميمٌ الدَّاريُّ رضيَ اللَّهُ عنهُ،
يقولُ: قد عَرفتُ ذلِكَ في أَهْلِ بيتي ،لقد أصابَ مَن أسلمَ منهمُ الخيرَ
والشَّرفَ والعِزَّ، ولقد أصابَ مَن كانَ كافرًا الذُّلَّ والصَّغارَ والجِزيةَ...
ولم يقل ( ليصلَنَّ).
والبلاغ
للناس جميعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة " لأنذركم به
ومن بلغ " فهو بلاغ – كذلك- للإنس والجنّ، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه
وسلم أن نبلّغ هذا الدين فقال " بلِّغوا عني ولو آية ...فلرب مبلّغ أوعى من
سامع.."وقد قال تعالى في أول هذه السورة ( إبراهيم) " الر، كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس
من الظلمات إلى النور " وقال : وما أرسلناك إلا كافّة للناس بشيراً ونذيراً
ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون" (سبأ 28) وما الإنذارُ إلا للعبرة والعظة
" فإذا اتعظوا وعرفوا الحق واتَّبعوه علموا أن الله تعالى واحد لا شريك له، وعرفوا
قدْرَه سبحانه " وليعلموا أنما هو إله واحد " واستدلوا بما فيه من الحجج
والدلالات على وحدانيته وألوهيته ،فتذكّروا ، وما يتذكر إلا أولو الألباب وذوو
العقول النيّرة الواعية " وليذكر أولو الألباب" .
رُوِيَ أن هذه الآية نزلت في أبي بكر
الصديق رضي الله عنه . وسئل بعضُهم: هل لكتاب الله عنوان ؟ فقال : نعم ; قيل :
وأين هو ؟ قال قوله تعالى : " هذا بلاغ للناس ولينذروا به "
قد علم أولو الالباب – والتذكُّر يؤدي
إلى العلم بل يقوّيه ويجلّيه – أنهم ملاقو الله تعالى ، لا شك في ذلك،ولنعد إلى
الآيات السابقة " فلا تحسبَنّ اللهَ مخلفَ وعدِه رسُلَه" والعاقل يحذف
هذا الحُسبان من حسابه لأنه يعيش حياته التي لها ابتداء وانتهاء، لم يأت إلى هذه
الدنيا بإرادته إنما بقَدَر من خالقه سبحانه ، وهو سبحانه أخبرنا أنه (عزيز ذو
انتقام)، وكما يسَّر الله تعالى لنا الحياة على هذه الأرض إنه لقادرٌعلى تبديلها
وتبديل كل شيء" يومَ تُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرضِ والسماواتُ ، وبرزوا لله
الواحد القهّار" فماذا بعدُ؟
إنه وصفٌ مخيف لنهاية من كفر"
وترى المجرمين يومئذ مقَرّنين في الأصفاد، سرابيلُهم من قطِران وتغشى وجوهَهُم
النارُ".إنك ترى رأي العين مَن كفر بالله وحارب عبادَه وبغى في الأرض مقيّدين
بعضُهم إلى بعض، جهَّزَتهُم الزبانية ليكونوا وقوداً للنيران وطُعمة لها، إن النار
لتشوي اللحم سريعاً حين يدنو منها ، فكيف وقد طُليَت أبدانُهم بالقَطِران، بل صار
القَطِرانُ ثيابهُم؟! فإذا ما اُقحِمُوا فيها أحاطتهم من كل جانب وأكلت وجوههم وأجسادهم!
..موقف تنخلع منه القلوب وتستعيذ منه النفس المؤمنة ، وتقشعِرُّ له الأبدان.
اللهم رحمتَك وعفوَك .. نجِّنا من
غضبك ومن النار وارزقنا الفهم واجعلنا من أولي الألباب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق