هو
العلامة الفقيه أبو الفرج محمد جمال الدين الجيلاني الحسني الدمشقي. كان إمام الشام في
عصره، ولد في دمشق عام 1866 وكان سلفي العقيدة.
انتدبته
الدولة السورية للتنقل بين بلدات وقرى سورية لإلقاء
الدروس العامة وظل في عمله هذا أربع سنوات، وبعدها قام بزيارة المدينة المنورة
والمسجد الأقصى في القدس ومصر مرتين وغير ذلك من المدن السورية والبلدان العربية.
ولدى عودته اتُّهم هو وعدد من أصدقائه بتأسيس مذهب جديد في الدين، سموه المذهب
الجمالي فاحتجز عام 1313ه وذلك
في حادثة كبيرة سميت بحادثة المجتهدين. ثم أثبتت براءته.
تفرغ
القاسمي للتأليف ولإقراء الدروس، فاعتكف في منزله للتصنيف وإلقاء الدروس الخاصة
وتوجه إلى مسجده جامع السنانية في دمشق
القديمة حيث أقام دروسه العامة، في التفسير وعلوم الشريعة الإسلامية والأدب. وهو
المسجد الذي كان يؤمه والده وجده من قبله.
قام
العلامة جمال الدين القاسمي بنشر بحوث كثيرة في المجلات والصحف، وله مصنفات كثيرة
تناول بها جوانب الدين كلها، من العقيدة والحديث والتفسير والفقه والتاريخ والفرق
والأخلاق، تجاوز عدد مصنفاته المئة وعشرة مصنفات، كان من أهمها كتاب "محاسن
التأويل" اثنا عشر مجلداً في تفسير القرآن الكريم، مكث في كتابته كما قال
الأستاذ نقولا زيادة خمسة عشر
عاما، يأخذه في حله وترحاله حتى أنهاه ـ ولم يكمل فيه مبحثين كذا قال الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ـ وبالجملة
كتابه هذا لم يكتب مثله البتة على الأرض في حسنه، وكان الأستاذ مصطفى الزرقا يقول: إن
قراءة محاسن التأويل تحتاج إلى عمر بأكمله فكيف بمن ألفه ولم يبلغ الأربعين؟
كما
كان كتابه (موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين) يمثل توجهه السلفي، حيث علم أن
كتاب الإحياء يلقى قبولاً كبيراً لدى جماهير المسلمين، لاسيما في ذلك العصر، ويرى
فيه بعض الجنوحات، ولا يجرؤ على مهاجمته صراحة فعمل على تنقيته بما يتفق ومذهبه
الفكري.
كان
منهجه في التصنيف يغلب عليه الجمع والنقل، ولكن بأسلوب راقٍ ولغة سليمة وسبك
مرصوص، بحيث تظهر النقول التي يجمعها وكأنها عقد مصفوف متناسق خرج من نبع واحد.
كما كان منهجه في مصنفاته التوسع والموسوعية لا التخصص وهو سمة عصره فتناول كل
أبواب الدين وعلومه، كما كان ظاهراً في كتبه كلها وخصوصا كتابه في مصطلح
الحديث : قواعد التحديث، كان ظاهرا دعوته الإصلاحية التي قضى يدافع عنها
وينشرها ويدعو إليها.
تأثر
القاسمي في دعوته بدعوة محمد عبده ورشيد رضا صديقه وخليله، فكان يدعو إلى التجديد
في فهم الدين، وإلى إصلاح العبادات والمساجد من البدع، وكان يدعو إلى اتخاذ
الإسلام منارة توحيد لكل المسلمين، بحيث لا يفرقهم خلاف عقدي أو فقهي، وكان يدعو
إلى اتخاذ العربية لغة البلاد ويحارب عملية التتريك التي تبنتها مجموعة الاتحاد
والترقي التي استولت على السلطة في اسطنبول.
احتفظ
القاسمي بشخصيته المسلمة الشرقية العربية، ولم يتأثر بالحضارة الغربية ولا
بالمستشرقين، ولم يخدع بذلك كما حصل لبعض أقرانه أنذلك. كما تميز بسعة صدره وسلامة
قلمه من المهاترات والاتهامات التي كان بعض من أعدائه يواجهه بها. وكان ينأى بنفسه
عن أن ينزل إلى ذلك المستوى.
توفي
القاسمي ودفن في دمشق عام
1914. ورثاه كثير من تلامذته وإخوانه: منهم رشيد رضا ومحمود الألوسي وأخوه صلاح الدين القاسمي وخير الدين الزركلي وجرجي الحداد وغيرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق