الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-12-04

المجتمع المتكافل – بقلم: د.عثمان قدري مكانسي

طعام الاثنين يكفي أربعة، وطعام الأربعة يكفي ثمانية، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكفي الإنسان بضع لقيمات يُقمن صلبه، فلم يخلقنا الله تعالى للأكل والشرب، وإنما جعلهما وسيلة لغاية سامية، لحياة نكون فيها عباداً لله فننشئ مجتمعاً متراحماً متكافلاً.
إن أصحاب الصفّة كما مرّ معنا كانوا أناساً فقراء، وإن النبي صلى الله عليه وسلم  قال مرة: ((من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث (يأكل معهما)، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامسٍ، بسادس))، وهكذا، فقام أبو بكر إلى ثلاثة من أهل الصفّة، فدعاهم إلى بيته، ثم إنّه قال لابنه عبد الرحمن: هؤلاء أضيافك يا بني، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلي عنده ما يشغلني، فأطعم أضيافك، وأحسِنْ قراهم.

وانطلق الصديق أبو بكر إلى دار النبي  صلى الله عليه وسلم  فجلس عنده ما شاء الله له أن يجلس، وتعشى عنده مع نفر من أصحابه، ولبث هناك إلى ما بعد صلاة العشاء.
أما عبد الرحمن فقد جاء بطعام إلى أهل الصفّة الذين جاء بهم أبوه الصدّيق رضي الله عنه فقال: اطعَموا، فقالوا: أين ربّ منزلنا؟ قال: إنه ذهب لبعض شأنه، وأمرني أن أضيفكم، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء والدك، ولن نأكل إلا بوجوده وأن ينال من الطعام معنا.
قال عبد الرحمن: أرجوكم أن تأكلوا، فوالله إنه إن جاء، ولم تطعموا لألقينَّ منه ما يسوء، فلم يقبلوا، فعرفتُ أنه سيغضب مني، واحترت في أمري، فلما جاء بعد العشاء وجدهم جالسين لم يعودوا إلى منزلهم، فعلم أنهم لم يأكلوا، فسألهم عن إبائهم الطعام فقالوا: أنت دعوتنا، فلما ذهبت انتظرناك.
وكنتُ لما رأيته داخلاً اختبأت لئلا أرى منه وأسمع ما لا يسرُّ، فنادى: أين أنت يا عبد الرحمن؟ كيف تترك أضيافك دون طعام؟ فلما لم أجبه، وكان يعلم أني أسمعه، قال: سألتك بالله أن تجيبني إن كنت تسمعني، فلم أر بدّاً من إجابته، فجئته على خوف واستحياء، فأسمعني ما كنت أتوقعه، فقلت له: يا أبتِ والله لقد عزمت عليهم أن يطعموا، واعتذرت لهم عن غيابك، فأبوا وقالوا: لسنا بآكلين إلا إذا أكل الصديق، فالتفت إليهم قائلاً: أحقاً ما يقوله هذا؟ قالوا: صدق والله، فكيف نأكل ولست معنا؟! فظهر الغضب على وجهه، أما الآن فليس مني، ولكن منهم فقال مغضباً: كلوا لا هنيئاً ولا مريئاً، فتقبّلوا هذا منه لمكانته عندهم، ولأنهم أغضبوه، فكيف يُدْعون فلا يأكلون؟ وابنه بينهم، وهو منشغل عنهم؟.
لم تمتد أيديهم إلى الطعام، فسألهم ما يمنعكم أن تأكلوا؟ قالوا: أنت صاحب الطعام وصاحب البيت فابدأ أولاً، قال: انتظرتموني، ثم فرضتم عليَّ الأكل، والله لا ذقته أبداً هذه الليلة، قالوا: والله لا نطعمه حتى تطعمه.
قال: ويلكم!! ما لكم لا تقبلون عنا قراكم، هات طعامك يا عبد الرحمن، فجاء به إليه، وهو شبعان، قد أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده فقال: بسم الله، لأحنثنّ بقسمي هذا، فهو من الغضب ومن الشيطان، وأخذ الأضياف الثلاثة وعبد الرحمن وأم رومان زوجة الصديق يأكلون، والصدِّيق ينظر إليهم ويبتسمُ، ولكنّه التفت فجأة إلى زوجته فقال لها: يا أم رومان ما الذي أراه، فانتبهت وقالت: سبحان الله، إن الطعام يكثر، ولا يقلُّ، كلما أكل أحدهم لقمة رَبَت من أسفلها أكثر منها حتى علا الطعام في القصعة، وكاد يسقط منها، فلما شبع القوم، بعث الصدِّيق غلامه بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم  وأخبره بخبرها، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم منها، وتركها عنده إلى الصباح.
وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم  اثنا عشر رجلاً، كانوا على موعد معه فخرج بهم إلى ظاهر المدينة، حيث كان في انتظارهم عدد كبير من المسلمين، وهناك قسّم الرسول صلى الله عليه وسلم  الناس إلى اثنتي عشرة مجموعة على رأس كلّ واحدة منها رجل ممَّن كانوا عنده في الصباح، ثم قدَّم لهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصعة فأكل منها الجميع وكفتهم، فقد كانت مباركة، ظهرت بركتها عند الصدِّيق رضي الله عنه، وزادت بركةً في بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
رياض الصالحين
باب كرامات الأولياء ومجالسهم



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق