ما أصعب ألا يجد المظلوم من يناصره،
ولا يقف إلى جانبه، ولا حتى من يواسيه، والأصعب من هذا أن يكون الخذلان من أقاربه والمحيطين
به.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهند
المظلوم يتجرع الغصص، وتحيط به الآلام
من كل جانب، وتعضه الظلمة بأنياب الويل المتراكمة، ويجلده الألم بسياط الهم الكبير،
وتتشكل صورة المأساة، عندما تكون المصيبة مركبة، ظلماً إلى ظلم.
وما أكثر المظالم هذه الأيام، إذ أين
ما تلتفت تجد الظلم والمظلومين في أمة الإسلام، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومن هذه الديار التي تشتعل فيها نيران
المظالم التي تحرق الأخضر واليابس، بلدنا سورية، هذا البلد المظلوم الذي يدمر من طرفه
إلى طرفه، ويُقتل أبناؤه، تُهدم بيوته، تحرق مزارعه ومصانعه، ويفعل بشعبه الأعاجيب،
من التشريد والحرمان والدماء، مجازر جماعية، ومذابح مروعة، خوف وقلق، ترقب وحيرة، براميل
وكيماوي، سكاكين تذبح، وفؤوس تقطع الرؤوس، فيه مئات الألوف من الأيتام، ومثلهم من المعوقين،
أما الجرحى فحدِّث ولا حرج.
وفوق هذا وذاك، لا تكفي العدو المجرم
البراميل المتفجرة التي يلقيها على رؤوس الآمنين العزل، بل يحاصرون حتى مات كثير منهم
من الجوع، بعدما أكلوا كل ما يقع تحت أيديهم، حتى أكلوا القطط والكلاب، وكل ذي ناب
من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، ومنهم إخواننا الفلسطينيون، الذين يعيشون في
"مخيم اليرموك".
وتعتذر بعض المؤسسات الدولية عن سداد
المطلوب، بل عن جزء من المطلوب؛ بحجة نفاد المقرر لشعب سورية! وبذرائع يندى لها جبين
البشرية أمام الحالة السورية، وما في سلتها من معاني القهر والويل والضيم.
وتضيق عيون بعض ذوي القربى، من وجود
بعض السوريين على أراضيها، ويصيحون ويئنون، بكل وقاحة، ويشغلون آلة الإعلام للتهييج
على هؤلاء المساكين، من السوريين المنكوبين، الذين يجب أن يوضعوا في العيون والمقل،
وتفتح لهم القلوب ليدخلوا فيها وتكون لهم سكناً، بل أن يفتحوا لهم بيوتهم ومنازلهم..
حسبنا الله ونعم الوكيل.
وآخرون يضيقون عليهم في الإقامات،
وتوضع القيود على الداخل والخارج، ويتفننون في صناعة الحواجز، التي تمنع هذا الشعب
المكلوم المجروح، من أن يحصل على بعض ما يسد الرمق، أو يأوي المسكين، أو يستر العورة،
فما الذي جرى لأمتنا؟ وما الذي دهاها؟ وهي أمة "وتعاونوا"، وبرنامجها
"واعتصموا"، ورابطتها "إنما المؤمنون إخوة"، ودستورها في هذا الشأن
"كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه جزء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"،
وبرنامجها "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه"، وأساس الخير
فيها "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، وأخلاقها تنص على أن
"السخي قريب من الله".
حقاً إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع،
وإنا على إخواننا في سورية لمحزونون.
أما المجتمع الدولي، فيا حسرتاه عليه!
وكيف أن الفاضحة (الثورة السورية) أسقطت عنه ورقة التوت، وكشفت سوءته، وعرَّته حتى
صار مكشوفاً للقاصي والداني، والقريب والبعيد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أما أولئك الطائفيون المجرمون، الذين
يغزون سورية، يذبحون نساءها، ويقتلون أطفالها، ويرتكبون المجازر في حق أهلها، فلكم
يوم، وإن ربك لبالمرصاد، وسنرى انتقام الله فيكم، وكيف أن الله تعالى، يمهل ولا يهمل.
وهنا ننصح إخواننا المهاجرين واللاجئين،
بما يأتي:
- الصبر، والاحتساب عند الله، ولا
بد من الفرج.
- التعاون في الخير، تآلفوا وتحابوا
وتآثروا.
- احترام البلد الذي أنتم فيه، وكونوا
قدوة حسنة، في معرفة حق الضيافة.
وفي الختام، لقد قدم كثير من إخواننا
كثيراً من الخير، ولكن هذا الكثير يعتبر قليلاً بالنسبة للمطلوب؛ "من لا يشكر
الناس، لا يشكر الله"، لا بد من تقديم الشكر، لكل من قدم لشعب سورية شيئاً، ولو
شطر كلمة، أو شقفة خبز.
كما نقدم الشكر للدول المضيفة التي
تأوي المهاجرين اللاجئين، وبوركت جهودكم، وفي المقدمة منهم تركيا، التي صنعت المخيمات،
وفتحت البلد أمام السوريين، وقدمت لهم التسهيلات والمعونات، والمستشفيات تستقبل الجرحى
مجاناً، وفي تركيا يأخذ السوريون حريتهم، كأنهم مواطنون، والمواطنون الترك عامة لم
يقصروا، وكانوا نعم الأنصار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق