يقول العبد الفقير إلى مولاه : هذا الجناس في العنوان مقصود
لارتباط التحنيط بالتقحيط وإليكم التفصيل ..
أما "التحنيط" فهو ما دأب عليه فراعنة مصر
القديمة من نقع من مات من ملوكهم بالمحاليل حتى يمنعوا جثثهم من التعفن والتفتت
والفناء ، ولعل من أعجب صور التاريخ ارتباط عصر الفراعنة بالتحنيط ، وكأن حكمهم
الذي دام ثلاثة آلاف من السنين العجاف لم تكفهم فأرادوا بالتحنيط تمديد وجودهم على
الساحة لآلاف أخرى من السنين ، وقد عبر القرآن الكريم عن هذه النزعة الفرعونية
للخلود ـ ولو في حالة محنطة ـ بما جاء على لسان فرعون حين جاءه "موسى" عليه
السلام يدعوه للتغيير وأن يفتح الباب لعصر جديد، فما كان من فرعون إلا أن توجه
إلى قومه ببيانه الشهير الذي أصبح فيما بعد بيان كل طاغية، قال : (إنِّي أخافُ أنْ
يُبَدِّلَ دينَكُمْ أو أنْ يُظْهِرَ في الأرضِ الفَساد)!
فهو إذن هاجس الخوف من "التغيير" وحجة فرعون في
رفضه للتغيير أن "التغيير" يعني "الفساد" وهو الهاجس المرعب نفسه
الذي يخشاه كل طاغية في كل عصر ، وهي الحجة نفسها التي يرفعها كل طاغية يرفض
التغيير ، وهذا ما رأيناه في سياق الربيع العربي (طبعة 2011) يتردد في وسائل إعلام
العربان الطغاة المحنطين هنا وهناك ، أولئك الذين نسوا ـ أو تناسوا أو تعاموا ـ أن
التغيير سنة من سنن الله في خلقه ، وأن من يختار التحنيط فقد حكم على نفسه أن يودع
في متاحف التاريخ إلى جانب فرعون الذي نجاه الله ليكون لمن خلفه آية، وقد رأينا
حتى اليوم أكثر من زعيم يودعون في متاحف التاريخ .. والبقية تأتي !
يقول العبد الفقير إلى مولاه : هذا هو "التحنيط" وأما
" التقحيط" فهو إزالة ما علق في قعر القِدْر من الطعام الذي بقي على
النار أكثر مما يجب حتى احترق أسفله والتصق بالقعر ، والظاهر أن هذا هو مصير كل
زعيم يمكث في "الكرسي" أكثر مما يجب حتى يحترق أسفله ، وكما يجرف
الطباخون كل طعام يحترق ويلتصق بالقدر فكذلك نرى اليوم شبان "الربيع
العربي" يقحطون ما احترق من السافلين ليرموا بهم حيث ترمى بقايا الطعام
المحترق ، وفي هذا رسالة واضحة بالقلم العريض إلى الذين لم يحترق أسفلهم بعد لعلهم
ينزلون الطبخة عن النار في الوقت المناسب !
د.أحمد محمد كنعان
Kanaan.am@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق