الآن بعد مضي مهل الجامعة العربية كاملة مضافا إليها مهل
جديدة؛ لإتاحة المجال لجميع الفرقاء التيقن من مصداقية الجامعة في الوصول إلى الحل
السلمي مع الأسد و طغمته الحاكمة، وإظهار الحقائق لكل المتشككين من مصداقيتها؛
وعزمها في سلوك الحل العربي في حل الأزمة السورية (كما يسميها المتخصصين في
الجامعة) و لإقامة الحجة على المدعين بمساندة القوميين والممانعين، وبعد نفاذ كافة
الفرص المتاحة، أصبح لزاما على الأسد المضي قدما نحو أيامه العجاف، ولتبدأ مسيرة
العقوبات الاقتصادية والسياسية وربما العسكرية.
إن الذي يراهن عليه الأسد وأزلامه هو استسلام
الشعب قبله؛ من خلال تحويل كل العقوبات باتجاه الشعب، ومن خلال الاستناد إلى
مصالحه المتبادلة مع دول الجوار وخاصة في محيطه السياسي سواء كان في لبنان أو
العراق، ومن خلفهما إيران.
طبعا هناك مسلمة يمكن أن يعاينها كل متبصر
أن قرار إقالة كل زعيم عربي تكون بيد الدولة الكبرى التي تدعمه عسكريا وسياسيا،
فكما لا حظنا في مصر عندما قالت أمريكا لمبارك يجب عليك أن ترحل واليوم أي أمس
أصبح لزاما على ربيبها أن يستجيب لهذا المطلب، ويرحل بالرغم من المصاعب الجمة التي
كان يتوقعها عليه وعلى محازبيه.
وبالتالي نحن ندرك أن كلمة ارحل لم تصدر بعد
من الدولة الكبرى التي تدعم هذا الطاغية، وإنما مازالت تراهن عليه، ليس إيمانا
منها أن فرصته في البقاء في سدة الحكم ما زالت كبيرة، وإنما تحاول قدر الإمكان
الاستفادة منه حتى آخر لحظة، وبالتالي تعمد إلى بيعه السلاح وترتب عليه الالتزامات
تلو الالتزامات، حتى إذا حانت اللحظة المناسبة يكون هناك فرصة لها لمفاوضة المجلس
الوطني بالتخلي عن هذا النظام مقابل نقل الالتزامات كاملة من الأسد إلى المجلس
الوطني ومنه إلى أية حكومة وطنية في المستقبل، فهذه الدول لا تعرف سوى المصالح.
أيضا هي تريد أن تحافظ على بقائها في
المنطقة إلى أخر رمق، فسوريا هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي مازالت تمد
روسيا بقواعد وتسهيلات كاملة.
إن الحصار الاقتصادي والمالي والسياسي بداية
لن يؤدي إلى سقوط الأسد مباشرة، وإنما يحتم عليه التعامل مع أزلامه بنفس الأسلوب
الذي يتعامل به مع المتظاهرين، لأن لغة المصالح سوف تغيب ولن يبقى أمام الأسد إلا
التعامل الأمني مع مناصريه.
وبنظرة سريعة إلى سلة العقوبات المتكاملة
العربية التي يتم تدارسها والتي يصعب تطبيقها بالمطلق؛ إلا إذا كانت مصحوبة بالعقوبات العسكرية
المحتملة، نجد أن أكثرها تأثيرا على الأسد هو حرمانه من التحويلات المالية والسوق
العربية الحرة والحظر الجوي وإيقاف المشاريع وتجميد الأموال، وبالتالي فلن يسع
أزلام النظام تلبية متطلبات الاستيراد من العملات الأجنبية، وسوف يقف هذا الطاغية
حائرا أمام الخيارات الصعبة التي تفرض عليه، والتي بالطبع لن يستسلم لها في الوقت
القريب، لوجود التحريض الخارجي من قبل مؤيدي النظام على المقاومة، وأمام الضغط
الداخلي من قبل الطائفة المؤيدة له والتي تربط مصالحها بوجوده وتخشى على مستقبلها
بعد رحيله، فهم لا يؤمنون بالقيم التي نؤمن بها نحن الثوار؛ وبالتالي يعتقدون أنهم
سوف يلقون نفس المصير الذي يفرضونه على الشعب اليوم.
إن النهاية المحتومة سوف تطبق على كل
المجرمين الملطخة أياديهم بدماء الأبرياء مهما طال الزمن. فمن ظن نفسه في لحظة ما
أنه خارج دائرة العدالة يكون واهما، ومن ظن نفسه أن هذا النظام سوف يدعمه إلى
النهاية يكون قد غيب عقله.
إن ما ينتظر الأسد وعصابته من أيام عجاف لن
تخطر ببال، وإن الذين يراهن عليهم؛ كما راهن سابقوه سوف يلقى منهم ما لم يتوقعه،
وإن المراهنة على الانكفاء نحو الدولة العلوية هو رهان خاسر، فالتاريخ أبدا لن
يعود؛ والدول التي كانت تنادي بالأمس ولغايات استعمارية بالدولة العلوية؛ لن
تستطيع اليوم فرض هذه الرؤيا على العالم، وبالتالي سوف يجر هذا الطاغية جميع
المناطق التي يمولها بكافة صنوف السلاح إلى نفس مصير سرت الليبية. فلن يرضى أي
ثائر سوري بأنصاف الحلول، مهما طال الزمن، ومهما اشتدت الأزمة، فسوريا يجب أن تتحرر كاملة من هذه الطغمة، وكل
من يعادي الثوار ليس له مكان في الدولة الوليدة.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق