للوهلة
الأولى نقول هل الأسد وعصابته بهذه القوة ، حتى يستطيع الوقوف أمام إرادة الشعب
السوري؟.
لماذا سقط من كنا نظنه أعتا منه أمام ثورات
شعبه؛ وبفترات أقل بكثير من الثورة السورية ، هل أدرك الجميع ما قيمة سورية في
الميزان الدولي، الكل ينادي بالديمقراطية مرغما ليضع زخرفا على مقالته يستطيع من
خلالها فعل ما يريد من تحت الطاوله .
لماذا لا يستطيع العالم اليوم تنفيذ أي
قانون إنساني وضعه لحماية المدنيين؟ ، لماذا الآن فقط لا يستطيع العالم وضع آليات
لوقف آلة القتل اليومي الذي يمارسه الأسد وعصابته؟ .
طبعا بعض الدول التي تتشدق بالديمقراطية
ترسل بعض التصريحات الجوفاء ، ترفع من وتيرتها تارة وتخفضها تارة ؛ علها تتصالح مع
نفسها ، ومع الشعارات التي تنشرها عبر العالم بأنها داعمة للديمقراطية وحقوق الإنسان
، ومن حسن حظها أن الذي يقف مجاهرا أما مجلس الأمن هم من الدول الاستبدادية ؛ وبالتالي
فقد رفعت عن كاهلها ثمن البدائل التي كانت مضطرة لتبنيها عوضا عنهم لمساندة هذه
السلطة الفاسدة ، وقد رأت في موقفهما فرصة لتستمر في العهر السياسي الذي تمارسه
أمام العالم .
إن الذي ينطبق على الثورة السورية اليوم هو
قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا
شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ
شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ{. [الأنعام:112.[ إن
هؤلاء الشياطين من الإنس الذين يقفون مع هذا النظام يساندونه بكل ما أوتوا من قوة سياسية
وعسكرية ومالية ،
يتقاسمون الأدوار فيما بينهم فذاك
يدعمه سياسيا وتلك تدعمه ماليا وتلك تدعمه عسكريا ، والشعب المسكين يذبح في كل يوم
، تسعة أشهر لم يجد نصيرا له سوى الله . ولم يفقهوا قوله تعالى { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ {.
المهم أن نعي أن كل هذه الدول لا يهمها
مصلحة سوريا ولا حقوق الإنسان و مبادئ الديمقراطية والعدالة ، والضمير الدولي
المتمثل بالقانون الدولي و شرعة القيم الإنسانية.
كل ذلك يظهر فقط عندما يتقاطع مع مصلحتهم هم
، فترى القرارات تتسارع وتتوالى، وتوضع الآليات المناسبة ، وتنفذ الاستراتيجيات ،
و تحقق الأهداف .
لكن عندما ينظر المرء إلى المعادلة السورية
؛ فإنه لا يكاد يصدق كيف تتقاطع كل المتغيرات مع بعضها البعض ، وتتناغم في سياق
واحد ؛ وتصب في نتيجة واحدة ، وكل ما كان يسمى في العرف السياسي الحالي بالخصوم
نراهم يتعرون ويصبحون متكاملين ، وتنكشف العباءات عن واقع مزيف لم يدركه حتى أعتا
رجال التنظير السياسي .
إن هذا اللانظام جمع بين مصلحة حزب الله وإسرائيل
وإيران في بوتقة واحدة ، وجمع مصلحة الصين وروسيا وأمريكا في بوتقة واحدة ، وجمع
مصلحة تركيا مع أوروبا في بوتقة واحدة ، ربما تتماها وتتمايز بعضها عن بعض ؛ لكن
بالمحصلة تراهم في الواقع يتقاطعون عند منعرج فريد هو الحكم الأسدي لسورية .
طبعا إذا انطلقنا من منطلق وطني وقلنا كيف
استطاع هذا الحكم أن يجمع بين كل هذه المتناقضات؟ ، تجدنا عاجزين عن الإجابة ،
ولكن إذا نظرنا قليلا في العمق و في حقيقة هذا الحكم ، نجده يتبنى كافة المصالح
الخارجية وينسى مصلحة الوطن والمواطن .
بمعنى آخر : أنك لا تستطيع حمل المتناقضين
ولكنك من موقعك تستطيع التخلي عن مبادئك وتتبنى قيم الآخرين وهذا ما نسميه الخيانة
العظمى .
فعندما تكون مواطن دولة ما ؛ وتتبنى سياسة
دولة أخرى وتتقاطع مع مصالحها على حساب مصلحة وطنك تكون أصبحت جزءا من الآخر ،
ولكن الحكم الأسدي لم يكتفي بذلك ؛ وإنما تجاوزه إلى تسخير كل إمكانيات البلد
لمصلحة الآخر ، واستخدام كل دعم الآخر في الاستيلاء على إمكانيات البلد. وهذا قمة
الخيانة .
وهذا الأمر يفسره الدفاع المستميت من قبل
الجميع للزود عن هذا الحكم الأسدي .
فتراه يستخدم كل إمكانياته للحفاظ على الهدوء في جبهة
الجولان ؛ وبالتالي هو يحقق مصلحة عليا لاسرائيل ، وهو من جهة أخرى يستخدم كل
التسهيلات الاسرائيلية للقضاء على أي بوادر مقاومة حقيقية يمكن أن تنشأ.
من ناحية أخرى هو يسخر كل إمكانيات البلد لخدمة ولاية
الفقيه ويستخدم كل إمكانيات ولاية الفقيه في القضاء على المعارضة .
ولنخرج إلى الدائرة الأوسع نراه يستخدم كل إمكانيات
البلد لتقديم التسهيلات لروسيا ويستخدم كل الآلة الحربية والدعم اللوجستي والسياسي
الروسي لتعطيل أي قرار لمصلحة الشعب السوري و ضد قمع المتظاهرين.
وبالتالي ترى أن كل متناقضات الأمس أصبحت
متغيرات متكاملة في سبيل تحقيق هدف واحد .
طبعا كل هذا يمكن فهمه ، إذا وصلنا لنتيجة أن هذا الحكم
الأسدي ليس وطنيا ، وإنما هو زرع استعماري ، القصد منه الإبقاء على الكيان الغاصب
يصول ويجول في المنطقة ، ولا أدل على ذلك من تصريحات عاموس جلعاد بالأمس القريب } أن سقوط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد،
سيترتب عنه حدوث كارثة تقضى على إسرائيل، نتيجة لظهور إمبراطورية إسلامية في منطقة
الشرق الأوسط، بقيادة الإخوان المسلمين في مصر والأردن وسوريا.
وقال:
أن إسرائيل ستواجه كارثة، وستصبح مهددة دائماً بالحرب مع الإخوان المسلمين في مصر
وسوريا والأردن، إذا نجحت الثورة السورية الجارية في الإطاحة بنظام بشار الأسد،
الذي يمثل وجوده مصلحة لإسرائيل، وأكد أن إسرائيل شعرت بالأخطار التي تواجهها من
عدة جهات، خاصة في مصر، لهذا قررت أن تحسن علاقاتها مع تركيا، وتتحاشى القطيعة
الدبلوماسية معها، حتى لا تضطر تل أبيب إلى محاربة المسلمين في عدة جبهات مفتوحة،
ستؤدى في النهاية إلى خسارتها بالتأكيد.
في النهاية أقول ، نحن سوريون يوحدنا الهدف
وتفرقنا الانتماءات السياسية والاجتماعية والدينية و العرقية و العقدية ، ويتحتم
علينا أن نتوحد حول هدفنا وندع المضمون يفرض نفسه في هذه المرحلة ، وبعد التحرير
إن شاء الله ، يطرح كل منا أفكاره ومطالبه
وإيديولوجيته على طاولة الاقتراع ، وينتخب الشعب ما يرتئيه مناسبا لتلك المرحلة .
لكن قبل كل ذلك لندرك جميعا أن العالم كله لا يهمه مصلحة الشعب السوري ، وأنه إن
لم ننقذ أنفسنا من براثن هذا الحكم اللعين فلن ينقذنا أحد .
فتعالوا نجتمع سويا ونصنع مستقبلنا سويا ،
وننبذ الخلاف ، ونركز على المشتركات ، ونضع الأولويات نصب أعيننا ، ونسخر كل الإمكانيات
في سبيل تحقيق الأهداف.
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق