ليس بدعا من القول أن ينطبق وصف الحرائر على نساء سوريا
والأبطال على رجالها بعد أن قدموا مثالا فريدا للعالم في التضحية والفداء والبطولة
فكانت بحق حرائر سوريا قد أنجبن أبطالاورجالا هبوا كالأسود للدفاع عن دينهم
وحريتهم وكرامتهم غير مبالين بالموت وكل أنواع المصائب والبلايا وشعارهم ما قاله
الشاعر العربي :
إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا ولو نسام بها في الأمن أغلينا
يتسابقون إلى ساح الوغى والشهادة في سبيل الله وطلب الأجر
والمثوبة من الله فتلك هي الغاية والهدف أقول هذا وكلي فخر واعتزاز بأن نساء سوريا
حرائر يلدن أبطالا فعلا ولا سيما اولئك النساء اللواتي يدفعن بفلذات أكبادهن إلى
ميادين الجهاد والاستشهاد والموت في سبيل الله.
فما كان لأولئك الحرائر أن يلدن غير الأبطال والشجعان
الأسود على عكس غيرهن من النساء اللواتي هن نبت خبيث وشجرة خبيثة لا يلدن إلا
فاجرا كفارا ولذلك كانت النساء قسمين :
قسم الحرائر العفيفات الطاهرات اللواتي هن من أصل طيب ومعدن
نفيس فما يخرج منه إلا كل طيب ونفيس ، وقسم من معدن خسيس أنجبن أناسا وقفوا مع
الكافر والظالم والمستبد والفاجر ضد أبناء جلدتهم وإخوتهم وعمومتهم وأقاربهم إلا
من رحم الله .
وليس هذا مجرد كلام ندعيه أو قول نفتريه فلقد بين الله
سبحانه وتعالى هذه الحقيقة في كتابه العزيز فقال سبحانه وتعالى في سورة الأعراف (والبلد
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ
يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً) [الآية 75].
وقال سبحانه وتعالى في سورة النور : (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ
وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الآية
25]
والمرأة الحرة العفيفة الطاهرة تبقى حرة ومهما كانت فقيرة
وما أصدق تلك المقولة : (تموت الحرة ولا تأكل بثديها)
لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ البيعة لنساء الصحابة كان يأخذ البيعة
عليهن وهو يتلو قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ
يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلا
يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ
بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة 12].
ولما وصل الدور عند هند بنت عتبة رضي الله عنها والنبي يقرأ
قول الله عز وجل : (ولا يزنين ) صاحت مستنكرة متعجبة وقالت: يارسول الله أو تزني
الحرة ، نعم إن الحرة لاتزني وهي التي تنجب الأبطال ولذلك أنجبت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه
أبطالا وقادة فكان منهم : معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الذي حكم المسلمين في
بلاد الشام قرابة الأربعين عاما وقد كان قبل ذلك كاتبا للوحي عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وأنجبت يزيد بن أبي سفيان من عظماء قادة الجيوش الإسلامية وقد ولاه الخليفة الصديق
رضي الله عنه قيادة أحد جيوش الفتح الإسلامي في بلاد الشام . بل إن الأمهات
الحرائر من صحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهن قد أنجبن أبطالا ففاطمة
الزهراء رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم وزوجة الإمام علي كرم الله
وجهه قد أنجبت سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين رضي الله عنهما ، وتلك أسماء بنت
أبي بكر رضي الله عنهما ذات النطاقين قد أنجبت عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما
وكان الزبير بن العوام رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة زوجها وأما أمه
فهي صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها عمة النبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن
أمثلة كثيرة لعلماء أبطال ربتهم أمهاتهم كالإمام الحسن البصري والإمام الشافعي
وغيرهم
تعال معي أيها الأخ القارئ الكريم لنشهد معركة القادسية
ونستعرض أنموذجين لامرأتين عظيمتين :
أولاهما : الخنساء رضي الله عنها وقد دفعت بأبنائها الأربعة
إلى ميادين الجهاد ، فلما جاءها خبر استشهادهم جميعا قالت كلمتها المشهورة : (
الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وأرجو أن يجمعني بهم في مستقر رحمته).
وثانيهما : المرأة النخعية وفي معركة القادسية أيضا ضربت
لنا تلك المرأة العجوز أروع الأمثلة للنساء الحرائر اللواتي ينجبن الأبطال ، فلقد
خاطبت أولادها الأربعة قبل بدء المعركة بقولها :
لقد جئتم بي عجوزا وألقيتم بي في بلاد فارس فوالله ما خنت
أباكم ولا فضحت خالكم وإنما أنتم أبناء رجل واحد وامرأة واحدة تقدموا فضاربوا
اليوم كله ، ثم رفعت يديها إلى السماء وقالت : اللهم احفظ بني . فانطلقوا كالنسور
وقاتلوا قتال الأبطال وشهدوا معركة القادسية كلها ورجعوا سالمين غانمين بعد النصر
فكانت تقسم لهم الغنائم بأيديها.
أما ثورتنا السورية المباركة فقد برهنت على أن هؤلاء
الملايين من أبناء شعبنا إنما هم من أصل طيب ومعدن نفيس وأمهات كريمات دفعن بأبنائهن إلى المشاركة
في هذه الثورة المباركة وأنجبن رجالا وهاهم يتحدون الصعاب ويستعذبون الموت في سبيل الله متحدين
بذلك كل آلة القمع الوحشية للنظام الأسدي اللئيم ولكل من وقف معه من عناصر الجيش
والأمن والشبيحة والمرتزقة المأجورين .
لقد تحققت في شعبنا السوري الكريم دعوة الرسول صلى الله
عليه وسلم ( اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا ) فبلاد الشام أرض مباركة فيها المسجد
الأقصى ويوريا من أهم أجزائها وأن هذه الأرض المباركة قد تعطرت بدماء الآلاف من
الشهداء عبر التاريخ بدءا بالصحابة الكرام وانتهاء بشهداء هذه الثورة المباركة .
إن النصر آت بإذن الله وهو قريب وقريب جدا ، وما نراه من
عملاء وخونة ومتآمرين مع النظام بدءا بعلماء السوء علماء السلطة وانتهاء بالأراذل
والأسافل إنما هو شذوذ واستثناء ، وعندما تدق ساعة الصفر وساعة الحسم لن يصمد أمام
زحف المؤمنين والمجاهدين والأبطال تلك الشرذمة من أبناء الخنا وأبناء الذين كانوا
يبيعون نساءهم كما تباع الحمير في الأسواق وكما قال الشاعر :
إن البغايا لايلدن مقاتلا
أولادهن أسافل الولدان
إن الفرج قريب وإن النصر لقادم بإذن الله ولن يخذل الله
سبحانه وتعالى جنده وعباده المؤمنين والمظلومين ( إنا للنصر رسلنا في الحياة
الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لاينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار)
والله أكبر ولله الحمد ، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن
لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
د. محمد أحمد خلف
في 25 /10/ 2011 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق