في هذه الأيام استدعتني ذاكرة الطفولة،
فلبيتها مقلباً صفحاتها، فتدافعت الذكريات المرتبطة بالعيد لتحرك مشاعري التي
أحاول أن أخفيها عن أبنائي لأصنع لهم جواً من الراحة ينعمون فيه بشيء من البهجة
والسرور.
فتذكرت ملابس العيد وما يتعلق بها من
مباهج ومباهاة بين الأقران، فلا تكاد الفرحة تسع أحدنا حتى ينتظر الصباح، فكم من
مرة باتت الأحذية في الفراش والجوارب تحت الوسائد، وكم رأينا من أحلام جميلة في
المنام وفي اليقظة تفسر الحال التي نحن فيها.
ولا أنسى السيمفونية البديعة التي تَشَكّلَ
لحنها من امتزاج صوت طرق قوالب الكعك مع إيقاع الصواني بالإضافة لأصوات الأولاد
المتباينة، وصيحات الأمهات التي تزعم أنها تقوم على تهدئة الضجيج فتزيد المقطوعة
نغما جديدا.
وفجأة يختل الإيقاع، وتتغير النغمات عند
خروج إحدى الصواني وقد اكفهر وجهها من فرط الحرارة، فنسمع الصيحات المعاتبة من
جهة، وضحكات مكتومة يخشى الأطفال البوح بها في الجهة المقابلة، ويتهامسون فيما
بينهم على الغنيمة الوشيكة التي سيلتهمونها لأنها لا تصلح للضيافة، ويمنون أنفسهم
وربما دعوا في سرهم أن تكثر الصواني الممائلة.
وقبل أن أوغل في أعماق الذاكرة، قاطعتني
صورُ من قابلت من الأحباب في هذا العيد وقد علت جباههم مسحة من الحزن تُنِبئ عن
مكنونٍ دفين من الألم لما أصاب بلاد الشام من كيد المجرمين وحقد الحاقدين.
ولا أنسى صورة الأطفال الذين نرى من خلالهم
فرحة العيد وقد تنازلوا عن مظاهر الطفولة ومباهجها، فلم يعبأ الكثير منهم بملابس
العيد ولم يطلبوها، ولم يكترثوا لعدم وجود الحلوى بأصنافها، بل تسمّر معظمهم – على
غير عادة الأطفال- أمام شاشات التلفاز لمتابعة الحبيبة الجريحة سوريا وقد هالهم ما
يرون، فارتسمت على وجوههم آثار الحزن والأسى والألم، وأخذوا يرددون –ودون شعور بمن
حولهم- عبارات الاستهجان والدعاء على بشار وعصابته من القتلة.
وكم تفاجأت صبيحة العيد من ابنتي التي لم
تجاوز الثامنة من عمرها وهي تقول لي: كتبت الليلة الفائتة شعراً، فقلت لها -وأنا
أعلم أنها نامت قبلي-: ومتى كان ذلك؟!، فردت قائلة: صحوت ليلاً في الساعة الثانية
فكتبته ثم نمت.
ربما لمن يكن الكلام موزونا على قواعد
العروض ولكنه حمل الكثير من معاني حب الوطن الذي لم تكتحل عيناها برؤيته بعد، كما
احتوى الكلام على عبارات الاستنكار والاستياء من هذا النظام المستبد، وجاءت
الخاتمة بطلب الرحيل من اللص الذي سرق البلاد، وسام أهلها صنوف العذاب.
يا إلهي أهكذا يعيش ويفكر أبناؤنا في ليلة
العيد؟؟! أين أحلام الطفولة البريئة؟؟! لقد انتزعوا الابتسامة من وجوه أبنائنا،
وسرقوا أحلامهم، وقتلوا الفرحة في نفوسهم الغضّة، وشوهوا كل جميل في عيونهم، حتى
باتوا لا يرجون شيئاً إلا العودة إلى أوطانهم وهي تنعم بالحرية بعيداً عن أعداء
الإنسانية، هذا أمل أطفالنا فنسأل الله أن يحقق آمالهم بعد أن تفاقمت آلامهم.
مصطفى مفتي
10-11-2011م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق