الأصعب هو ماينتظرنا ما بعد سقوط النظام !! - د. حسين إبراهيم قطريب

أجمل عبارة قرأتها في أدبيات الثورة والثوار السوريين تلك التي كتبت على لافتة تقول : (لا تمسحوا أرقام الشهداء من جوالاتكم، سيتصلون بكم ليسألونكم عما حققتم من مطالبهم) والتي دفعوا أرواحهم ثمنا لها

الله يا الله ما أبلغها من عبارة!، عبارة يذوب لها الضمير، ويتوقف عندها سير التفكير والحلم والخيال والزمن، فكيف لا يقف عندها المجلس الوطني وكل من يحسب نفسه على المعارضة ؟!، إجلالا للمعنيين بها، ويتعاهدوا على وحدة الكلمة والهدف وبذل كل الجهد وما تجود به النفس، ويدركوا بأن المهمة صعبة، ولا يكفي أبدا قراءة الفاتحة والترحم عليهم على شاشات الفضائيات، ولا نثر الورود على قبورهم وقت الدفن أو في ذكراهم .

إنها عبارة اعتبارية ستبقى عبئا ثقيلا على كاهل كل سوري حر شريف، لا يغادره إلا بعدما يسأل نفسه ما هي مطالب الشهداء ؟، ويكرس كل وقته وامكاناته من أجل تحقيقها، ولايتوقف به السؤال عند العموم ويستريح بل حتى يتيه في جنبات السؤال ويقول: هل هي مطالب واحدة لدى كل هؤلاء الأعزاء ؟، الذين فاق عددهم المائة وخمسين ألف على امتداد سنوات القهر في ظل حكم العائلة الأسدية المجرمة أم انها متنوعة ومتعددة ؟.

ما هو مؤكد ولا يقبل الشك، هو أن مطالب الشهداء كلها هي مطالب ذات قيمة عليا ونبيلة، بما يوازي قيمة الحياة وما فيها من زينة الأموال والبنين، والأماني والأحلام والطموحات التي غادرها الشهيد، وبما يساوي أعز الممتلكات وفي مقدمتها الروح التي بذلها.

ويتيه اللبيب الحر في تصنيف مطالب الشهداء على أساس النوع والمستوى، كما لو فكر في تصنيف أصحابها  الذين من بينهم الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والمتعلم والأمي، والمدني والعسكري، ومراتب ومستويات متعددة في تلك الفئات، بين المجند ومراتب الضباط، وبين المعلم والأستاذ الجامعي، وبين المهندس والطبيب و... الخ .

وينبع كل مطلب من مطالب الشهداء من بيئته ومهنته ومن خلفيته الثقافية ومرتبته الوظيفية والعلمية، فهذا يطلب لأهله من بعده لقمة عيش كريمة طالما رآهم تحت خط الفقر، وذاك ينشد لهم الحرية والكرامة والحلم بنوم آمن هانئ، بعيدا عن طرق المخابرات لأبوابهم في ساعات ما بعد منتصف الليل.

ومنهم من يرتقي بمطالبه إلى بناء الدولة الديمقراطية التعددية لكل أبناء الوطن، ويذهب إلى أبعد من ذلك في مشروعه الذي حلم به واستشهد من أجله، ألا وهو بناء الدولة القوية المنيعة المحصنة بكل أسس التطور والتنمية بكافة مجالاتها، وإلى الأبعد من ذلك في وحدة الأمة وتحرير أراضيها المحتلة ومقدساتها المهانة.

وقد يكون مطلب الصفح وضبط النفس بعد النصر يسمو عند الشهيد على كل المطالب بسمو نفسه عن الضغائن والأحقاد بعد أن رأى مارأى واطلع على منزلته عند ربه في جنات الخلد، بدليل أنه يطلب من الله العودة إلى الأرض من أجل الشهادة في سبيل الله مرات عديدة، وليس من أجل الثأر والانتقام.

ورغم أن المجرمين الأسديين أهانوا عقيدتنا ومقدساتنا، وقتلونا، وكسروا عظامنا، وبتروا أطرافنا، وكمموا أفواهنا، وانتزعوا حناجرنا، وقلعوا عيوننا، وقتلوا أطفالنا، واغتصبوا نساءنا، ونهبوا أموالنا، وباعوا أرضنا، ولم يتركوا لونا من ألوان المذلة والمهانة إلا وأذاقونا طعمه.

والأصعب من ذلك كله هو ما ينتظرنا من ضرورة ضبط النفس كي نرى النور وننعم بالحياة من بعدهم، لأن بناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية لايمكن أن يتم إلا على ثقافة الصفح والتسامح وضبط قيود الثأر والانتقام.