الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
منذ بداية عصر الرسالات ورضا الله هو الغاية والجنة هي سلعة
الله الغالية، وهي هدف نبيل وعظيم تسابق
إليها المخلصون من الرسل والأنبياء والصادقين، جذبت إليها أحبابها بما حوته من
نعيم مقيم وجنات وحدائق ذات بهجة وثمار يانعة وخضرة وقصور باسقات وأنهار متنوعة
الشراب يقول الله سبحانه وتعالى في سورة محمد ( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها
أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين،
وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم ...) ثم أزواج مطهرات
من الحور العين يرفعن أصواتهن بحداء لم تسمع الخلائق بمثله يقلن (نحن الخالدات فلا
نبيد، ونحن القانعات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له).
ولقد شوق الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين لها، وأكثر
القرآن الكريم من ذكرها، ووصفها لنا الحبيب محمد ‑صلى الله عليه وسلم‑ بأوصاف
كثيرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه:
أعددت لعبادي الصالحين ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن
شئتم قوله سبحانه وتعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ
أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
أدرك الصحابة الكرام مكانة الجنة وبأنها غالية على الأثمان
فمهروها دماءهم وأرواحهم وتسابقوا إليها غير مبالين بما يصيبهم مقابل مرضاة الله
عنهم، فهذا حرام بن ملحان لما طعن وانتضح الدم على وجهه صاح (فزت ورب الكعبة ) رضي
الله عنه.
وهذا صحابي آخر اسمه الحارث يستهم مع ولد له اسمه خيثمة يوم بدر أيهما يخرج للقتال، ويقع
السهم للولد فيقول له الوالد يا بني آثرني بالخروج فيقول له ولده خيثمة (والله يا
أبتي لو كان غير الجنة لآثرتك وتنتهي معركة بدر وتجيء معركة أحد بعدها ويرى الوالد
في المنام ابنه خيثمة يسرح في رياض الجنة وهو يقول له يا أبت الحق بنا ترافقنا في
الجنة وتأتي غزوة أحد ويدخل الوالد في المعركة فرحا ويظل يقاتل حتى استشهد.
صور من البطولات والتضحيات وتسابق إلى الجنة لا تعد ولا
تحصى، ففي غزوة بدر وقف النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (قوموا إلى جنة عرضها
السموات والأرض) ويقول: (والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل مقبلا غير مدبر إلا
أدخله الجنة)، ويقف عمير بن الحمام ويقول: يارسول الله جنة عرضها السموات والأرض
وكان معه تمرات في جعبته يأكل منها، فألقى التمرات وهو يقول: (والله إنها لحياة
طويلة إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه وأنشد يقول:
ركضا إلى الله بغير زاد
إلا التقى وعمل
الرشاد
والصبر في الله على الجهاد
وكل زاد عرضة النفاد
إلا التقى والبر والرشاد
ثم لم يلبث أن استشهد .
أما في غزوة أحد فيقف عمرو بن الجموح وهو رجل كبير السن
يقارب السبعين من عمره وكان به عرج شديد في رجله ويمنعه أولاده من الخروج للقتال
في بدر ويقولون له نحن نكفيك ولكن النفس المؤمنة تتوق إلى الشهادة والجنة وياتي
إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل غزوة أحد ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم:
يارسول الله أتمنعني عرجتي هذه تمنعني
من دخول الجنة والله إني لأرجو الله أن أطأ بعرجتي هذه
الجنة، وتكون معركة أحد ويشتاق إلى الشهادة ودخول الجنة، ويحمل سيفه ويدخل المعركة
ويظل يقاتل حتى يرزق الشهادة، وبعد انتهاء المعركة ينظر رسول الله نصلى الله عليه
وسلم في القتلى والجرحى وتنتهي المعركة وتصمت الأسياف وها هو رسول الله صلى الله
عليه وسلم يكلم من في السماء ثم يقف على جسد عمروبن الجموح: ( والله إني لأراه
الآن يطأ بعرجته أرض الجنة.
وتتكرر المشاهد ويأتي أنس بن النضر إلى النبي صلى الله عليه
وسلم بعد غزوة بدر ويخاطبه قائلا: يارسول الله لقد غبت عن أول قتال قاتلت فيه
المشركين والله يارسول الله لئن أشهدني الله قتالا ليرين الله ما أصنع فلما كانت
غزوة أحد حمل سيفه فاستقبله سعد بن أبي وقاص فقال له أيا سعد الجنة ورب النضر إني
لأجد ريحها من وراء أحد وظل يقاتل قتال الأبطال حتى استشهد فوجد به بضع وسبعون
ضربة سيف ورمية سهم وطعنة برمح ما عرفه
أحد إلا أخته من علامة كانت في بنانه من كثرة جراحه.
وحاصر مسلمة بن عبد الملك حصنا من حصون الروم فندب الناس
إلى نقب فيه فما دخله أحد حتى جاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتح الله عليهم وقد رفض
هذا الشخص أن يعرفوا اسمه أو يعطوه شيئا فكان مسلمة لا يصلي بعدها صلاة إلا قال
اللهم اجعلني صاحب النقب.
صورة من التسابق إلى الجنة عبر التاريخ لا تعد ولا تحصى
وتأتي ثورة الكرامة لشعبنا السوري ويخرج الناس في المظاهرات للمطالبة بالحرية شيبا
وشباباً، رجالا ونساء، يتسابقون إلى الشهادة وإلى الجنة وشعارهم (علجنة رايحين
شهداء بالملايين) ورغم آلة القمع والبطش والقتل المتوحش ورغم كل أنواع التنكيل
والتعذيب والاعتقال تعلو أصواتهم للمطالبة بالكرامة وإسقاط النظام، وكلهم يهتف:
المنية ولا الدنية وأخيرا ما أجمل هذه الوصية للإمام الشهيد حسن البنا: يا أخي لا بدّ
من الموت فاجعله في سبيل الله فإنك بذلك تكسب الأجر والشرف والخلود مع أنك لم تخسر
شيئا.
اللهم اختم لنا بالشهادة في سبيلك وارزقنا الجنة نعم الدار
ونعم المقام، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
مجلة بشائر الإسلام العدد (9)
د.محمد أحمد خلف
14/11/2011م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق