بسم الله الرحمن الرحيم
منذ ما يزيد على تسعة أشهر، هي عمر
ثورتنا السورية المباركة، وطاحونة الموت والدمار الأسديّة تدور رحاها على شعبنا
السوريّ الثائر، فتعصر من دمائه الطاهرة، وتنثر من أشلائه المعطّرة بأريج التضحية
والشهادة، في واحدة من أبشع مجازر هذا العصر، والضمير العربي والعالمي، وبالأخص
الأمريكي والروسي، ومعه مؤسسات الأمم المتحدة، والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان،
وحتى الحيوان، يعيشون في غيبوبة الموت، بل إنهم قد ماتوا فعلاً، ودفنوا تحت أنقاض
المباني السوريّة المهدّمة في حمص ودرعا وجبل الزاوية وغيرها من البلدات السوريّة
المنكوبة، والتي خلّفتها قذائف الدبابات الأسديّة روسيّة الصنع، وصواريخ طائراته
ومدافعه الثقيلة، التي أدارت ظهرها للجولان المحتل، ودكّت بيوت الآمنين من شعبنا
السوري الجريح، ومزقّت أشلاء الشيوخ والأطفال والنساء، لا لذنب اقترفوه، غير
المطالبة بالحريّة والعزّة والكرامة .!!!
وتستمر المأساة، ويكبر الجرح، وتتعاظم
المصيبة، وتتزايد قوافل الشهداء والجرحى
والمعتقلين والمفقودين والمهجّرين، وتضيق المقابر الجماعية والفردية وتغصّ المستشفيات، بل تُختطف هي الأخرى من قبل
عصابات الأمن والشبّيحة الأسدية، فتتحول البيوت والمساكن إلى مستشفيات ميدانيّة
بدائيّة، تفتقر إلى أبسط معايير السلامة الطبيّة، وتكلُّ سيارات الإسعاف، بل
تُغتال هي الأخرى، ويُقتل فيها الأطباء والممرضون والمسعفون، وتتسع بحيرة الدم
القاني النازف من خاصرة المسجد الأمويّ، والمسجد العمري، ومسجد ابن الوليد، الجرحى
.!
ويستمر العجز العربي والإسلامي، الشعبي
والرسمي، ويطول الصمت العالمي، إلا من بعض الجهات الضعيفة التي لا تكاد تسمع نفسها
.!!!
وفي زحمة هذا الجو المكفهرّ الرهيب،
الذي يختلط فيه لون دم الشهداء القاني، مع رائحة أجسادهم المشوية، والمطعّمة بنكهة
احتراق البارود ..!!!
وفي ظل موت الضمير العالمي، وتفسّخ
القيم الغربية، وتعفن أقبية ومواخير الأمم المتحدة، تطل علينا بعض الأصوات
المبحوحة، وتطالعنا بعض المقالات القميئة، التي تصف جهاد شعبنا البطل (بالعنف).!!!
وتطلق على استشهاد أبنائنا البررة (
بالتهوّر والانتحار ) …!!!
وتتناقل وكالات الأنباء بعض التصريحات المنافقة التي تعبّر عن ( أسفها
لاستخدام القوّة المفرطة) .!!
ومطالبتها جميع الأطراف المعنية ( بضبط
النفس ) و ( وقف العنف ) و ( الحوار بشفافية) .!!!
وكأن القضية هي مجرّد عنف مشترك، وتطرّف
متبادل .!!
لا مذبحة فظيعة مدبّرة، وظلم فاضح،
وعدوان لئيم، تديره عصابات طائفيّة حاقدة، كانت قد أُشربت الكفر، وأدمنت الغدر،
وتربّت على الإجرام، وتعطّشت للدماء منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمن.!!!
ترى … هل هذه هي بالفعل، حصيلة ما توصل
إليه العرب والمسلمون والإنسانيّون _ بعد جهود مضنية _ من مباديء وقيم وأخلاق ، في
الحضارة والتمدّن وحقوق الإنسان .!؟
وهل هذه القماءة المنحطّة، وتلك
الدناءة الوضيعة، وذلك الجبن الخائر، والنفاق المفضوح، والازدواجية المقيتة
في المعايير، هي كل ما خبأته لنا العروبة الحنونة، والإنسانيّة المتحضّرة ،
والنظام الدولي الجديد، وحضارة نهاية التاريخ .!!؟
هل يجوز أيتها الشعوب العربيّة
والإسلاميّة، والمنظمات الدولية، والمؤسسات الإنسانية، وهيئات الأمم المتحدة،
وأحزاب الخضر، وجمعيات حقوق الإنسان، وجمعيات القطط والكلاب .!!
أن يُذبح شعب بكامله، ويُستباح وطن، تحت
سمع العالم وبصره، وبأساليب من القسوة والوحشيّة، تشيب لها الولدان، و يهتزّ لها
عرش الله، دون أن تهتزّ شعرة في شواربكم، ودون أن تجرؤ مؤسساتكم الخرساء،
ومنظّماتكم العمياء، ذات الضمير الميّت، على أن تقف موقفاً واحداً حقيقيّاً يردّ
اعتداءً وينصف مظلوماً .!!!؟
بل دون أن تجرؤ حتى على أن تقول كلمة واحدة تسمي فيه الأشياء بمسمّياتها،
وتشخّص الظالمين الحاقدين المعتدين، المستهترين بكل قيمة من قيم الأرض والسماء،
بدلاً من أن تلوكوا تلك الكلمات الجبانة
والمنافقة، التي باتت تثير فينا من مشاعر القرف والاشمئزاز، أكثر مما تثيره صواريخ
( بشار الأسد) وطائرات ( ماهر الأسد ) .!!؟
أما أنتم يا مراقبي الجامعة العربية،
فأسألكم بالله العظيم هل أنتم عقلاء أم مجانين، وهل تشعرون بذرّة رضى عما تفعلون
اليوم في سورية الجريحة، وهل فعلاً تحتاجون إلى المزيد من الأدلّة والبراهين على
جرائم العصابة الأسديّة، وقد زكمت روائح جرائمهم الأنوف، وأعمت الأبصار، وضجّ منها
الثقلان.!!!
وهل تتناسب بيروقراطية جامعتكم الكسيحة،
وقراراتها التافهة، وبروتوكولاتها الميّتة، وحركتكم السلحفاتيّة المتثاقلة، مع
مأساة شعبنا، الذي يموت في اليوم الواحد ألف موتة وموتة، إن لم يكن من قصف
الطائرات والدبابات والمدافع، فمن الجوع والعطش والبرد والمرض...!!!
فإذا لم تستطيعوا تطبيق أهم بنود
بروتوكول الجامعة، وروح وجوهر مبادرتها ، وهو وقف آلة القتل الأسدية فوراً، وسحب
الدبابات والمدرعّات من الشوارع، وإطلاق سراح المعتقلين المظلومين، فاستحوا على
أنفسكم، وأوقفوا هذه المهزلة المسرحيّة، والجؤوا إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة
لاستنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح هذا الشعب المنكوب...!!!
ربّ وامعتصماه انطلقت *** ملء أفواه
الصبايا اليُتّم
لامست أسماعكم لكنّها *** لم تلامس نخوة
المعتصم
أما أنتم يا أهلي في سوريّة، يا كلّ
الرجال والشباب والشيوخ والأطفال والحرائر في جميع أنحاء سورية الحبيبة ومدنها
وقراها، وأخصّ درعا وريفها وحمص وريفها وإدلب وريفها ودمشق وريفها ودير الزور
وريفها ...!!!
أيها الرجال الرجال، يا تاج رأس الأمة،
وعقال رأس العرب، ومعلّمي الإنسانيّة، وملهمي الشعوب...!!!
يا من تصنعون اليوم بتضحياتكم العظيمة
فجراً جديداً لسورية الحبيبة، بل وللعرب والمسلمين والإنسانيّة أيضاً ...!!!
يا من تفتّحت لكم أبواب الجنّة، وتزيّنت
لكم الحور العين، وباهى بكم الله ملائكته.
يا أحفاد الفاتحين، ويا أبناء الأمويين،
ويا قاهري التتار والصليبيين ...!!!
يا قرّة عيني، وشغاف قلبي، وكريّات دمي،
وخلايا كبدي، ومداد قلمي ...!!!
الله، الله، في ثورتكم
والله الله في وحدتكم
والله الله في وطنكم
توكّلوا على الله فهو خير الناصرين
واصبروا على البلاء، فإن النصر مع الصبر،
والعاقبة للمتقين ...
واحتسبوا الشهداء والجرحى والمعتقلين،
فهم والله بركة الثورة وروحها وعطرها
وأقسم بالله العظيم : إننا لمنتصرون،
وآل الأسد لمهزومون ...
ما استمسكنا بعقيدتنا، وتوكلنا على ربنا،
وصبرنا على ثورتنا ...
بسم الله الرحمن الرحيم
(( ولينصرنَّ اللهُ من ينصره، إنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) الحج 40
(( وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين
)) الروم 47
(( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا
المرسلين، إنّهم لهم المنصورون، وإنّ جندنا لهم الغالبون)) الصّافات 171
(( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)) الشعراء:227.
الدكتور أبو بكر الشامي
دمشق في الثالث من صفر / 1434 هجري
الموافق للسابع والعشرين من كانون الأول
/ ديسمبر / 2011 ميلادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق