ربما
مازال الكثير ممن يدعون أنهم معارضة لم يسأل نفسه هذا السؤال، ولم يدرك بعد كيف
يجيب على هذا السؤال!: هل يجيب بالنفي أم بالإيجاب؛ أم أنه اختار أن لا يسأل نفسه
هذا السؤال، لأنه سوف يضطر للإجابة عنه وبالتالي يقع في حيص بيص الإجابة.
فالشعب السوري منقسم بين ثلاثة وكل واحد من
هذه الثلاثة عنده ثلاثة أسباب.
لنأتي للفئة التي اختارت الإجابة بلا !.
ولنرى ما هي الأسباب التي دعتها للإجابة بلا!.
السبب الأول:
أن هذه الفئة منتفعة من هذا النظام وبالتالي فإن مصالحها سوف تتضرر إن ذهب هذا
النظام، وهذه الفئة سببها مادي بحت، فهي لا يهمها أَذَهب هذا النظام أم بقي ما
دامت مصلحتها باقية، وبالتالي في حال أخذت التطمينات اللازمة بأن مصلحتها لن تتضرر
بذهاب هذا النظام، عندها ربما تنقلب عليه، أو في أقل المراتب سوف تبقى على الحياد
حتى تنتهي الثورة وتعود لتصطف مع من يؤمن لها المصلحة.
أما السبب الثاني:
فهو أن هذه الفئة موالية للنظام لأن هذا النظام يؤمن حماية لها ولانتمائها الطائفي،
وهي ترى أن هذا النظام هو الذي يحميها ويحمي طائفتها من بطش الأغلبية إن آل لها
الحكم بعد ذلك، وبالتالي فهي تدافع عن النظام بكل ما أوتيت من قوة، لأن المسألة
عندها حياة أو موت، فبقاؤها من بقاء النظام، وتغيير قناعة هذه الفئة يحتاج إلى
تطمينات كبيرة، ما عدا الذين تلطخت أيديهم بدماء المدنيين فهؤلاء يمكن أن يضمن لهم
محاكمات عادلة فقط .
أما السبب الثالث:
فهي الفئة التي تؤمن بمبادئ النظام وترى فيه نظام مقاوم وممانع ومدافع عن القومية
العربية وتحمل الشعارات الجميلة التي يتغنى بها كل القوميين العرب، وأن هذا النظام
هو النظام الممانع الوحيد من بين الأنظمة العربية والاقليمية . وهذه الفئة للأسف
من الصعوبة بمكان إصلاحها، لأن هناك خللا واضحا في رؤيتها، وتساعدها في التمسك
برؤيتها الظروف الإعلامية الداخلية ؛ والضغط المادي والسياسي الذي تعيشه ؛ بحيث لا
تتيح لها الانفتاح على الرؤى الأخرى الموجودة في ظل غياب الحرية الفكرية والإعلامية،
والخوف من العقاب في تغيير الانتماء، وهذه الفئة أصبحت أقلية في ظل الإعلام المفتوح؛
لكن من يعرف الظروف الداخلية في البيئة السورية يعلم أن هذه الشريحة موجودة، فعلى
سبيل المثال ((غالبية العسكريين ورجال الأمن ممنوع عليهم الإطلاع على الرأي الآخر؛
وتحجب عنهم قنوات الإعلام غير الموالية والانترنت وحتى موجات الراديو غير المحلية.
ويعبئون بشعارات موجه قبل التوجه لتنفيذ أية مهام قمع يكلفون بها من قبل النظام)) .
طبعا في الجيوش المحترفة يفترض أن هؤلاء
يحيدون عن الساحة السياسية وتقتصر مهامهم في تأمين سلامة الحدود وأمن البلاد من
المخاطر الخارجية، بينما في بلادنا يستثمرهم النظام السوري في تأمين استمراره
والقضاء على خصومه.
أما النوع الثاني وهم الذين اختاروا أن لا
يسألوا أنفسهم هل يريدون إسقاط النظام فنجد أن أسبابهم ثلاث:
السبب الأول:
أن هذه الفئة غير مبالية و ليس لديها انتماء وطني أو قومي، ويعود ذلك لضعف وعيها
السياسي فهي لا تدرك المصلحة التي يمكن أن تتحقق لها من خلال تطبيق الديمقراطية،
وهذه الفئة تحتاج إلى تثقيف سياسي وتنمية الحس الوطني والشعور بالمواطنية وشرح
المصالح التي سوف تجنيها شخصيا، في حال الانتقال إلى النظام
الديمقراطي.
السبب الثاني:
تعتبر هذه الفئة أن التكلفة التي سوف تتحملها نتيجة الإجابة على السؤال أكثر من
الفوائد التي سوف تتحقق لها من خلال إسقاط النظام، وأنه لا توجد لديها الإمكانات
ولا القدرات اللازمة للقيام بهذا العمل، فهي تستهين بقيمة العمل الذي يقوم به
الثوار وتعتبره انتحاراً، ففي ظل غياب الرؤى الواضحة لدى الكثير منها؛ نجدها تستهين
بقدراتها في صنع المستقبل، وبالتالي هي تختار الحياد والإبقاء على مستوى السلم
المعاش لديها مهما شاهدت حولها من فظائع، طالما أن البل لم يصل إلى لحيتها بعد.
السبب الثالث:
يعتبر هذه الفئة أن كل هذه الثورات هي من صنع الغرب وتدخل نفسها في شباك نظرية
المؤامرة وأن الأمور مخططة مسبقا من قبل جهات خارجية، فهي تضع نفسها خارج الدائرة
المحيطة بها ؛ ولا تنظر حولها أبدا ودائما نظرها يتجه نحو الأفق الخارجي، حتى أنها
لم تعد تدرك المحسوسات من حولها وتحاول تكذيبها في كل مرة، لأنها لا تريد إدراك
الواقع، وتدافع عن وجهة نظرها باستماتة، لأنها تخالف بذلك حسها القريب ( ما قبل
الشعور)، وهذه الفئة للأسف كثيرة وتحتاج إلى صدمة نفسية لتستفيق وتدرك أنها تنتمي
للوطن و تعيش على أرضه و لها حقوق وعليها واجبات، وأن الانهزامية لا تنفعها ولا
تنفع الوطن بشيء.
أما الفئة الثالثة والتي اختارت الإجابة
بنعم فأسبابها ثلاث:
السبب الأول:
أن هذه الفئة كانت لديها تجربة شخصية مع النظام أو مع قريب أو صديق وشاهدت الواقع المقيت، ووصلت
إلى قناعة أنه يجب التغيير، وأنه يجب عليها فعل شيء في هذا الاتجاه مهما كانت
التكلفة، وهذه الفئة تزداد يوما بعد يوم بسبب القتل اليومي للمدنيين، وبالتالي يتم
الانتقال تلقائيا من الفئات الأخرى إلى هذه الفئة بسبب التجربة.
السبب الثاني:
أن هذه الفئة تدرك الواقع وتدرك الرؤى؛ وتنشد للأفضل ضمن قناعة علمية وعملية تشكلت
لديها، وأنه يجب التغيير، وهذه الفئة غالبيتها من المثقفين الذين يعملون في المجال
الإعلامي أو السياسي أو الحزبي أو من العمالة الخارجية والتي اطلعت على تجارب
الآخرين وتريد الخير لبلدها، وهي متأكدة أن هذا النظام لم يعد يلبي احتياجات
المرحلة الراهنة، وبالتالي قسم منها يريد الإصلاح السلمي إن أمكن، لأنها حريصة على
المصلحة العليا ؛ ولكن لا تملك إمكانيات التغيير.
السبب الثالث:
هذه الفئة هي تعادي النظام الحالي سواء كان إيديولوجيا أو مصلحيا أو خلاف على الكرسي
؛ من داخل الدائرة المغلقة للنظام أو من خارجها، وهذه الفئة عدائها يتقاطع في
النهاية مع الإجابة وهي إسقاط النظام، ولكن ليس بالضرورة تنشد مصلحة البلاد
والتغيير الديمقراطي ...الخ.
إن تحفيز جميع السوريين باتجاه الإجابة على
السؤال المصيري وهو هل تريد إسقاط النظام؟، يحتاج إلى جهود كل السوريين المخلصين، ويحتاج
إلى توحيد الرؤى نحو الهدف، من خلال تكثيف العمل الإعلامي والتوعوي، لمحاصرة الأفكار
المتطرفة في كل الاتجاهات، ومن ثم العمل على المشتركات، وإيجاد الآليات المناسبة،
فلن يتم تحقيق التغيير فوق إرادة الناس، وإنما نحتاج إلى إرادة الناس في صنع
التغيير .
الدكتور حسان الحموي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق