حل الربيع العربي أخيراً بحلته البهية، وثار
الشعب العربي ضد تاريخ طويل من الاستبداد، وجرت لأول مرة في تاريخنا الحديث انتخابات
حرة ونزيهة في عدة دول عربية، وصعد نجم التيارات الإسلامية في مختلف هذه الانتخابات،
وأوشك الإسلاميون أن يستلموا السلطة لأول مرة بعد عقود طويلة تعرضوا فيها لمختلف أشكال
الاضطهاد والإقصاء والسجن والتعذيب والنفي والتشريد على أيدي الأنظمة الاستبدادية التي
دأبت على محاربة الإسلام وأهله وكل من يدعو لاستعادة الأمة العربية هويتها الإسلامية
!
ويبدو أن هذا النصر الكاسح للإسلاميين لم يرق
للنخبة المثقفة من العلمانيين واللبراليين ومن لف لفهم من الذين وجدوا أنفسهم على الهامش
بعد أن لفظهم الشعب ولم يعطهم صوته، فارتفعت عقيرتهم ضد هذه الظاهرة الإسلامية، ونادى
مناديهم بكل وقاحة : أيها الإسلاميون عيب، عيب عليكم أن تهمشونا إلى هذا الحد !
ولعل أكثر هذه الاعتراضات فجاجة ووقاحة ما
صرح به مؤخراً لقناة (CBC News ) الكندية رجل الأعمال ( نجيب
ساويرس) صاحب الثروة الطائلة التي تقدر بالمليارات، وهو من الرجال المعدودين على هذا
التيار الغريب عن روح الأمة، ففي أعقاب فوز الإسلاميين بالغالبية الكاسحة في انتخابات
مجلس الشعب المصري في شهر ديسمبر 2011 دعا ساويرس الحكومات الغربية إلى التدخل السريع
من أجل الضغط على الإدارة العسكرية المصرية المؤقتة للحيلولة دون قيام نظام ديني سوف
يهضم حقوق الأقليات في مصر .. على حد تعبيره !
ولم يكتف ساويرس بهذه الدعوة السافرة للتدخل
الأجنبي في شؤون وطنه، بل راح يحذر الغرب من خطر الإسلاميين قائلاً بالحرف الواحد
: ( أنا أطالب الغرب أن يلعب دوراً استباقياً، ولا يتركنا فى هذا الزخم، وإلا فسوف
يتسرب تأثيره إليهم) وفي تفسيره للدور الاستباقي المطلوب من الغرب أضاف بكل صفاقة:
( عليهم أن يذهبوا إلى الذين يحكمون البلاد الآن ـ يعني المجلس العسكري ـ ليقولوا لهم
لن نسمح بقيام نظام ديني، لن نسمح بتعامل غير عادل مع الأقليات، لن نسمح بمخالفة القانون
والعدالة، يجب أن تحقق بلادكم الولاء لمبادئ الأمم المتحدة، مبادئ حقوق الإنسان، وإن
أي حيدة عن هذا سوف يدفعنا للتدخل ) !
وقد ذكرتني هذه الدعوة التي تفتقر لأبسط مبادئ
الوطنية من رجل طالما ادعى الوطنية بما صرح به رموز العلمانية واللبرالية في الجزائر
عام 1992 عندما فازت ( الجبهة الإسلامية للإنقاذ) بالغالبية العظمى في الانتخابات النيابية،
فقد جن جنون تلك الرموز في حينها وراحت تستنجد بأوروبا وتدعوها جهاراً نهاراً للتدخل
العسكري لكي تقطع الطريق على الإسلاميين، وهكذا كان، فقد ألغيت نتائج الانتخابات، وأقصيت
جبهة الإنقاذ، ووضع قادتها في السجون !
وقد تكرر المشهد ذاته بعد ذلك بسنوات قليلة
في فلسطين العزيزة عندما فازت حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) عام 2006 بالأغلبية
في أول انتخابات حرة تجرى هناك، فسارع العلمانيون واللبراليون إلى الالتفاف على الانتخابات
ووضعوا كافة العراقيل في طريق حماس من أجل إقصائها وإبعادها عن الساحة إكراماً لعيون
الغرب .. عدونا اللدود !
وهكذا يتكرر المشهد مرة بعد مرة، وتسقط أوراق
التوت عن هذه التيارات العلمانية واللبرالية الهزيلة التي لا تتردد في التخلي عن مبادئها
دون أن يرف لها جفن، ولا تتورع أن تضرب بالديمقراطية عرض الحائط في سبيل ضرب التيارات
الإسلامية التي تحاول منذ عقود طويلة أن تعيد لهذه الأمة وجهها الإسلامي المشرق، وأن
تنتشلها من براثن الاستبداد، وتعيد لها كرامتها وعزتها التي افتقدتها طويلاً بفضل هؤلاء
المثقفين المأجورين الذين ظلوا يشكلون أكبر داعم للدكتاتوريات، وحين أطل علينا الربيع
العربي يبشرنا بمستقبل ديمقراطي زاهر جاؤوا بكل صفاقة ليقطعوا الأشجار ويعيدونا إلى
عصر التصحر .. فتأمل !
د.أحمد محمد كنعان
Kanaan.am@hotmail.com
لم يكن هذا الضغط على العرب طوال هذة السنوات الا لمنع الحكم الاسلامي فيها وليبس الان صعوبات الا لابعاد التيار الاسلامي عن مسك زمام الامور ....
ردحذفلكن اسمحوالي بكلمة هم يظنون ان الاسلام بقي الاسلام هم لايعلمون ان الاشخاص غير الاشخاص الان من حمل الاسلام بالامس غيرهم من حمله سابقا