يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك،
والصلاة والسلام على خير المربين والمجاهدين، نبينا محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل
عن ذكره الغافلون.
إن المسلم مأمور بأن
يحسن الظن بالله، فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ } [فاطر:5]. وفي الحديث القدسي:" أنا عند ظن عبدي بي، فإن
ظن بي خيراً فله، وإن ظن بي شراً فله ". رواه أحمد من حديث أبي هريرة وصححه
الأرناؤوط والألباني.
ومأمور أيضا بأن يبشر
ولا ينفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يسروا
ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا) رواه الشيخان. وقد كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم أكثر الناس تفاؤلاً، وأملا، وسعة أفق، وكان صلى الله عليه وسلم يتفاءل
بالاسم الحسن، والرؤيا الحسنة أثناء الشدائد والمحن.
إن الوضع في عالمنا
العربي، والأمة الإسلامية بشكل عام وفي سوريا الحبيبة بشكل خاص وضع لا يخفى على
احد، اذ يمر في مرحلة عصيبة، وهناك أصوات تعلو هنا وهناك تغلب عليها اليأس ومشاعر
الإحباط، والاستعجال، ولهذا ترسم في مخيلتها وفي أذهانها صورة حالكة مخيفة عن
مستقبل الأمة الإسلامية، وعن سوريا.
وهذا التصور مبني على
أسس خاطئة، وفهم غير سليم للأحاديث النبوية التي وردت في سياق الكلام عن الفتن
والملاحم واقتراب الزمان واشراط الساعة.
إن المتأمل في التصور
القرآني، والهدي النبوي لمسار التاريخ وأحداثه نجده حافلا بالأمل والبشائر مهما
كانت المحن وتكالب الأعداء، ولن يغلب عسر يسرين كما قال الحبيب المصطفى في قوله
تعالى في سورة الانشراح: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {5} إِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ يُسْرًا {6} }
وفي ظل هذه الثورة
الحبيبة المباركة لا بد أن يكون كل إنسان واثقا بوعد الله، مبشرا بمستقبل رؤيته
ورسالته " نقل الناس من عبادة العبادة إلى عبادة رب العباد" رافضاً
اليأس الذي هو من لوازم الكفر والقنوط ومن مظاهر الضلال {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ
مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {87} } سورة يوسف.
قال تعالى في سورة
التوبة: { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى
اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {32} هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {33} } وقد تكرر هذا المعنى في سورة
الصف والفتح.
وقال تعالى في سورة
النور: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم
مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن
كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {55}.
وهذا الوعد الإلهي
للمؤمنين وعد دائم ومستمر، وما تحقق في عهد الخلفاء الراشدين والفتوحات الإسلامية،
يمكن أن يتحقق لدنيا في هذه الثورة المباركة إذا تحققت الشروط.
ولنتأمل هذه الآية {حَتَّى
إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ
نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ
الْمُجْرِمِينَ {110} سورة الرعد.
إن النصر لا يأتي من
عند الله إلا عندما يكون المؤمنون أحوج ما يكونون إليه، وعندما يبرأ الناس من
حولهم وقوتهم ويلوذون بحول الله وقوته، وعندما تغلق الأبواب في وجوههم، وتنقطع
الأسباب دونهم فعند ذلك ينزل النصر. وهذه قضية عقائدية تكررت مرات عديدة في تاريخ
المسلمين.
إن الإضراب الذي يتبناه
الحراك الشعبي بعد الاعتماد على الله عز وجل هو الحل بإذن الله للنصر، وهنا أود أن
أشير إلى نقطة مهمة وهي الاستعجال، فمن المعلوم أن الثورة ليس لها مقياس زمني محدد،
بل هي مفتوحة حتى تحقيق النصر، ولهذا يجب عدم الاستعجال، والخطو بخطوات ثابتة
مدروسة، فالقيام بالإضراب المؤدي إلى العصيان المدني أفضل بكثير من التدخل الخارجي،
وخاصة في ظل السياسة المعروفة للدول الغربية المبنية على المصالح وعلى تقسيم
الكعكة، وعجز الدول العربية.
ومن المعروف أن النظام
لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الإضراب، بل سيهاجم بقوة، حيث انه فقد الشعب،
وبالتالي سيفقد السيطرة على الدولة، ولهذا طريق النصر محفوف بالمحن والابتلاءات
والشهداء والجرحى ولكنه قريب وقريب جدا.
وفي الختام:
اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليـلك بالبلـج
وظلام الليل لـه أَمَدٌ حتى
يغشاه أبو السرج
وقال آخر:
ولرب نازلة يضيق لها الفتى ذرعاً وعند
الله منـهـا المخـرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
الله اكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق