توالت المهلات العربية الواحدة تلو الأخرى لصالح النظام
السوري للتوقيع على بروتوكول الجامعة العربية، القاضي بدخول مراقبين وإعلاميين إلى
الداخل السوري تزامناً مع إنهاء المظاهر المسلحة وإطلاق جميع السجناء على خلفية
الاحتجاجات في سورية...
كثيرون وجدوا في هذه المهل تواطؤاً عربياً مع النظام
السوري، بمنحه الوقت الكافي لقمع الاحتجاجات والخروج من أزمته الحالية وعودة
الأمور إلى ما قبل انطلاقة الثورة السورية...
لكنّ هذا الاحتمال يبدو الآن أنه بعيد عن الدقة، فهذا
التحليل ربما كان سيلقى رواجاً أكبر قبل عدة أشهر من الآن، أما في هذه المرحلة
فيبدو أن الأنظمة العربية قد اتخذت بالفعل قرارها وحسمت أمرها في الملف السوري،
فمؤشرات تهاوي النظام السوري باتت واضحةً جلية... فلا مفر من سقوط النظام في
دمشق... وبقاء الأمور على وضعها الحالي في سورية غير مقبول لا عربياً ولا دولياً،
فالوضع الراهن سيتسبب بالكثير من الاضطرابات في المنطقة ككل ولن يقف أثره على
الحدود الجغرافية لسورية، فكان لا بد من إنهاء هذه القضية وتسريع حسمها باتجاه
إنهاء هذه الحالة المستعصية التي وصلت فيها الأزمة السورية لنقطة يصعب فيها حسم
الصراع في الميدان، لذلك لن يكون هناك خروج من عنق الزجاجة إلا بزوال النظام
السوري بكافة رموزه المكروهة لدى الشعب السوري...
فإذا ما كان سقوط النظام السوري أمراً محتماً ومعلومة أكيدة
لدى الجميع فإن المجهولَين الوحيدين في المعادلة السورية الآن هو آلية السقوط وزمن
هذا السقوط، فلا الثوار في الداخل ولا النظام نفسه ولا كل المجموعة الدولية تستطيع
تخمين هذين المجهولين، وذلك بسبب وجود أطراف إقليمية فاعلة لا يمكن التكهن بمدى
صمودها وارتباطها بالنظام السوري... وغموض هذين العاملين أيضاً غير مقبول عند كل
من يهمه أمر سورية، فترك الأمور تسير بهذه الطريقة الحالية قد تؤزم الأوضاع
الميدانية وتشهد تطورات غير مرغوبة نهائية...
إن اتخاذ القرار بإسقاط النظام في سورية من قبل الدول
الفاعلة بما فيها العربية منها يبدو أنه قد تم بالفعل بناء على ما ذكر آنفاً، لذلك
كان لا بد من تحريك عامل ما يحدد المجهول الأول والأهم وهو آلية سقوط النظام...
خصوصاً إذا ما علمنا أن سيناريوهات ما بعد سقوط النظام كثيرة ومرعبة، بدءاً من
الوقوع بالحرب الأهلية وصولاً إلى الفوضى التي قد تعم البلاد نتيجة انحسار الأمن
والجيش، مما يعني فتح المنطقة ككل لاحتمالات قد لا يحتملها الجار الصهيوني...
فإذا ما تتبعنا الطريقة التي تعاملت فيها الجامعة العربية
مع الملف السوري والذي كان يراوح وبشكل
واضح ما بين العصا والجزرة، فإننا سنعلم أن الأنظمة العربية ومن خلفها الدول
الغربية المؤثرة ترى أن من مصلحتها أن يسقط النظام السوري بشكل هادئ تحافظ بموجبه
الدولة السورية على مقوماتها الأساسية وخاصة الجيش والأمن مما يمنع انزلاق سورية
نحو الفوضى العارمة... ولا يكون ذلك إلا من خلال تطبيق بنود البروتوكول العربي
والذي سيحد من حركة النظام على الأرض مما سيسمح بتزايد المظاهرات طولاً وعرضاً
ودخول مناطق مؤثرة كدمشق وحلب واللتين تعانيان من ضغط أمني كبير يحول دون
انضمامهما بشكل فاعل إلى ركب الثورة، وبالتالي سيسمح ذلك بتكرار السيناريو المصري
المفضل على السيناريو الليبي بالنسبة للقوى الغربية نتيجة للحساسية الجغرافية
والإقليمية لسورية...
لذلك وجدنا أن الجامعة العربية قد أعطت النظام السوري مهلاً
متتالية، ولم تغلق الباب حتى اللحظة أمام النظام السوري، بل وأوصت برفع العقوبات
المقررة على النظام السوري بمجرد توقيعه على البروتوكول بأي وقت كان، مما يدلل على
أن الرغبة العربية الحقيقية هي بتطبيق البروتوكول على الأرض مترافقاً مع التحذير
من مآلات عدم الالتزام به والتهديد بتشديد العقوبات والتلويح بتدويل الملف
السوري...
لكن النظام السوري يعي تماماً ماذا يعني الالتزام ببنود
الجامعة العربية، ويعلم أنه بتطبيقه للمبادرة العربي يكون قد حكم على نفسه
بالهلاك، لكن ما لم يدركه النظام أن إصراره على موقفه لن يغير من حقيقة أنه قد
انتهى فعلياً على الأرض، وأن الاعتراف الدولي به يتقلص يوماً بعد الآخر وأنه
بإصراره هذا اختار لنفسه سقوطاً مدوياً مريعاً، ونهاية قاسية مؤلمة، قد تزيد
بقساوتها عن مصير القذافي وعائلته...
abdullahzizan@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق