شهدتْ «الثَّورة
السُّوريَّة» خلال الفترة الماضية حالة جديدة تنخر في جسمها، تُضاف إلى
الدّور السِّياسيّ العاجز والمزري الذي يقوم به «الائتلاف» المأجور
في ادِّعائه تمثيل «الثَّورة السُّوريَّة»، وهو في حقيقة الأمر لا
يعمل إلا بما يُملى عليه من قبل الجهات التي عملت جاهدة على إيجاده وصنعه.
وكذلك الدَّور
الوهميّ الذي تقوم به «هيئة الأركان الجديدة»، والتي لم تتجاوز حدود
المساحة الإعلاميَّة المخصَّصة لها؛ بل هي أقرب إلى الجانب السِّياسيِّ الذي يدعمُ
الجهة التي عملت على تجديدها، ولا علاقة لها بأي عمل ميدانيّ من الممكن أن يشكِّل
فعلاً مؤثرًا في العمليِّات العسكريَّة التي تقوم بها الألوية والكتائب في مواجهة «شبِّيحة
الأسد» و«ميليشاته الهجينة».
ولا شكَّ فيما أراه
أيضًا أنَّ مهمَّة «وزير الدِّفاع» لا تعدو أن تكون صوريَّة
وشكليَّة تهدف في أحسن أحوالها إلى وضع اللَّمسات الأخيرة على اللَّوحة «الكوميديَّة»
لـ«لحكومة» التي تشكَّلت بعد ضغوط سياسيَّة للدُّول المعنيَّة بـ«الأزمة
السُّوريَّة»، فكان لا بدَّ من استكمال زركشتها وزخرفتها، وإن كان من بعض
أركان «النِّظام الفاسد»، فالجوهر كما يرونه يكمنُ في الشَّكل، لا
في المضمون.
هذه الحالة المركَّبة
من الفشل السِّياسيّ العسكريَّ المدروس والممنهج أدَّت إلى ظهور حالة استثنائيَّة
بعد ثلاث سنوات من عمر «الثَّورة»، تمثَّلت في عودة بعض المعارضين
السّياسييِّن إلى «حضن الوطن» بعد خروجهم منه على إثر الجرائم
الإرهابيَّة التي اقترفها «النَّظام» في حقِّ العباد والبلاد، وقد
مرَّت هذه الحادثة فيما مضى مرور الذُباب على الأنوف، ولم تجد لها صدًى إلا بعض
الانتقادات عبر مواقع التَّواصل الاجتماعيّ، والتي عكفت على التَّخوين والتَّشهير،
والوصف بالعمالة في أحسن أحوالها. ولعلَّ السَّبب في ذلك يعود إلى عدم تولِّي
العائدين أيَّ منصب سياسيّ في جسم المعارضة الهزيل، أو أنَّهم من المغمورين في
الأوساط السِّياسيَّة والدّبلوماسيَّة.
لكنَّ هذه الحالة
تطوَّرت لتأخذَ شكلاً جديدًا يطعن في مصداقيَّة أوّل رمزٍ كان له إيقاعه وصداه في «الثَّورة
السوريّة» ألا وهو «الجيش الحرّ»، حيث قرَّر عددٌ من «الضُّبَّاط
المنشقِّين» العودة إلى «حضن الوطن»، والتَّخلِّي عن الواجب
الذي من المفترض أن يقوموا به في مواجهة «جيش النَّظام الهجين»، وهي
حالة تشكِّل منعطفًا خطيرًا، يدقُّ النَّاقوس لمن له أدنى نظر واهتمام في «الثَّورة»
وأهلها.
وقد تمثَّلت ردَّات
الفعل كما جرت عادة المنتقدين من خلال وصفهم بالتَّخوين والعمالة وغير ذلك، ممَّا
يجعل الطَّريق سهلا للتَّشهير وإسقاط جميع صفات السُّوء على من قام بذلك.
لكنَّ الحكمة تقتضي
أن ننظر بجديَّة إلى هذه الحالات، وألا نمرَّ عليها مرور الكِرام، وأن نضعها تحت
مجهر الدِّارسة والبحث والتَّمحيص، من أجل الوقوف على أسبابها، ومعرفة جوانبها،
ومحاولة وضع حدِّ يمنع من تكرارها، وإن كنتُ أرى أنَّها لن تكون الأخيرة، وأنَّنا
سنشهد مزيدًا منها قريبًا، وقد تصل إلى المؤسَّسة الدِّينيّة التي أعلنت رفضها لما
يقوم به «النِّظام» من خلال المنظور الشَّرعيّ والدِّينيّ.
وبعدَ محاولة سريعة
وجادَّة للوقوف على حيثيَّات هذه الحالة والتي أجوِّز لنفسي أن أسمِّيها «انشقاق
عن الثَّورة»، وهو «انشقاق» لا يُستهان به، ويكاد يطعن في
جسمها بغضِّ النَّظر عن أهميِّة المنشقِّ أو المكان الذي يشغله؛ لأنَّها تشكل ضربة
قاصمة لـ«لثَّورة» من جهة، وركنًا يأوي إليه «النِّظام»
ليرفع من معنويات مؤيديه وداعميه من جهة أخرى، رأيتُ أنَّ ثمَّة أسبابًا ثلاثة ترجع
إليها، وقد تكون طريقًا سهلا إلى تكرارها:
أوَّلها:
الإهمال المتعمَّد والمباشر للفئة العسكريَّة التي أعلنت انشقاقها عن «النَّظام»،
والتحقتْ بصفوف «الثُّوار»، وهو إهمال انعكس بشكل مباشر على تطوِّر
الأعمال الميدانيَّة، إذ إنَّ عزل هذه الفئة سيؤدِّي وبشكل مسلَّمٍ به إلى وجود
فئة قياديَّة تتصدَّى للعمل العسكريّ، ولا تتمتَّع بما يحتاجه هذا العمل من خبرة
ودراية محنَّكة، في حين أنَّ «النِّظام» يسعى جاهدًا وبكل
الإمكانيَّات المتاحة من أجل أن يحافظ على تماسك ورفع معنويات «ميليشاته
الهجينة».
ثانيها:
محاولة بعض الأطراف السِّياسيَّة المعارضة استمالة بعض «الضبَّاط»
دون بعض، من خلال تكليفهم بأدوار يقومون بها، وإن كانت خارج اختصاصاتهم، أو بعيدة
عن خبرتهم ومهارتهم في مقابل الدَّعم والتَّمويل، في حين أنَّ كثيرًا من «الضُّبَّاط»
الآخرين لا يكادون يجدون ما يسدُّون به رمق أسرهم، أو يساعدهم على تأمين مأوىً
لهم، مما أحدثَ فجوة كبيرة بين هذه الفئة التي من المفترض أن تكون من أكثر الفئات
تماسكًا وترابطًا.
ثالثها:
نتيجة لهذه الفجوة نشأت حالة من الفوضى العسكريَّة والتي سدَّت الباب، وحالت دون
إيجاد «جهازٍ استخبارتيّ» يتمتَّع بالمواصفات التّقنيَّة والمهنيَّة
التي تساعده على دراسة أوضاع «المنشقِّين»؛ فـ«النِّظام»
لم يفتأ يخترق صفوف «المعارضة» بشقِّيها السّياسيّ والعسكريّ؛ بل
أكاد أجزمُ أنَّ معظم الخطوات التي تقوم بها «المعارضة» إنَّما هي بإيحاءات «النِّظام»
نفسه.
ولا بدَّ في الوقت
نفسه من الإشارة إلى أنَّ هذه الحالات لا يمكن قبولها، أو السُّكوت عنها، أو حتى
الرِّضى بوجودها أو مجاملة من قام بها، لكنَّنا نحاول أن نبحث في أسبابها، وما قد
تؤدِّي إليه من نتائج، ومن هي الجهة التي تتحمَّل المسؤوليَّة الكاملة عن وقوعها؟
ولا يخفى على أحدٍ
أنَّ المؤسسَّة السِّياسيَّة المتمثِّلة بـ«الائتلاف السُّوريِّ»، و«الحكومة
المؤقَّتة» والممثَّلة بوزير دفاعها السَّيِّد «أسعد مصطفى»
تتحمَّل المسؤولية الكاملة عن هذه الحوادث، وما نجم عنها من نتائج، ويجب فورًا
إحالة المعنييِّن بالأمر إلى المحاسبة القانونيَّة.
ولكن تبقى هذه الأمور
قيد رهن سؤال يطرح نفسه: من هي الجهة التي ستقوم بدور المحاسبة؟ وما هو مدى
مصداقيتها؟ وهل ستكون بعيدة عن المال السِّياسيّ الذي أفسد «الثَّورة»
وأوصلها إلى ما هي عليه؟ وهل ستتحوَّل طائرات «النَّظام» وبراميله
إلى «عباءة» يستظلُّ بها من لا يجد كتفًا دسِمًا يأكله من جسم «الثَّورة»؟
د. محمد عناد سليمان
25 / 4 / 2014م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق