بدأت
الثور بقوة ، متوكلة على رب العباد .. وقد
حملت على عاتقها العزيمة والإصرار والثبات لتقطع الطاغوت ، وتجتث الصنم فلا يبقى
له أثر ..
بدأت
الثورة صافية نقية ، ليس فيها غلو، ولا سلبية ، ولا افراط ولا تفريط في مواقفها
وخطواتها ..
ومضت
الثورة واستقبل شياطين الإنس الثورة والثوار بالقتل والتدمير واليأس والتخاذل والإحباط
والمكر والخديعة ، وخلال هذه الأعوام
الثلاث كان العالم يتصدى لهذه الثورة المباركة من بابين : باب المواجهة وتبنته
روسيا وإيران (الشيوعية والإلحاد والصفوية ) وباب تدمير الثورة والثوار بحرف
غايتها عن الطريق المستقيم ، والميل بها عن جادة الحق حتى يكون خروج الثوار للحرية
التي يريدها الغرب ، وليس خروجا لله ، او لإزالة الظلم وقطع دابر الطاغوت ..وتتبنى
هذا الباب أمريكا وأوربا والجامعة العربية ..
تمضي
الثورة ، والثوار يجاهدون بكل قوة وعزيمة وإصرار لإغلاق الباب الأول وصرع الوحش ..
وهاهم ولله الحمد يصرعون شبيحة الوحش وصفوية اللات كل يوم ..
وفي
نفس الوقت تمضي الثورة ، والثوار يضعفون ويتخبطون أمام الباب الثاني ، فأصبح غضبها
لنفسها .. غضبها لمنع تسلحها ... غضبها لتخاذل أمريكا وأوربا والجامعة العربية عن
نصرتها .. غضبها للدنيا وليس لله .. فحدث الغبش في المواقف والخطوات على أرض
المعركة ، وفي أقبية السياسة .. ولهذا لم تستطع إغلاق الباب الأول تماما ولا إغلاق
الباب الثاني .. لأنها أصبحت ضعيفة .. تنتظر النصر من عند الناس .. ضعيفة لان
النوايا تغيرت فلم يعد هناك إخلاص للعمل ، ولم يعد هناك صواب في العمل .. ضعيفة لأنها
تستمد القوة من عند غير الله .. والله سبحانه هو القوي العزيز ..
وفي
الإسرائيليات أن عابدًا كان يعبد الله دهرًا طويلاً فجاءه قوم فقالوا: إن ههنا
قومًا يعبدون شجرة من دون الله تعالى، فغضب لذلك وأخذ فأسه على عاتقه وقصد الشجرة
ليقطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال: أين تريد رحمك الله؟ قال: أريد أن أقطع
هذه الشجرة، قال: وما أنت وذاك!! تركت عبادتك واشتغالك بنفسك وتفرغت لغير ذلك!
فقال: إن هذا من عبادتي، قال: فإني لا أترك أن تقطعها، فقاتله فأخذه العابد فطرحه
إلى الأرض وقعد على صدره، فقال له إبليس: أطلقني حتى أكلمك، فقام عنه فقال إبليس:
يا هذا، إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرضه عليك! وما تعبدها أنت وما عليك
من غرك، ولله تعالى أنبياء في أقاليم الأرض ولو شاء لبعثهم إلى أهلها وأمرهم
بقطعها!! فقال العابد: لابد لي من قطعها، فنابذه للقتال فغلبه العابد وصرعه وقعد
على صدره فعجز إبليس فقال له: هل لك في أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع؟ قال:
وما هو؟ قال: أطلقني حتى أقول لك، فأطلقه فقال إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك إنما
أنت كل على الناس يعولونك، ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسي جيرانك وتشبع
وتستغني عن الناس!! قال: نعم، قال: فارجع عن هذا الأمر ولك علي أن أجعل عند رأسك
في كل ليلة دينارين إذا أصبحت أخذتها فأنفقت علىنفسك عيالك وتصدقت على إخوانك،
فيكون ذلك أنفع لك وللمسلمين من قطع الشجرة التي يغرس مكانها ولا يضرهم قطعها
شيئًا ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطعك إياها!! فتفكر العابد فيما قال، وقال: صدق
الشيخ! لست بنبي فيلزمني قطع الشجرة ولا أمرني الله أن أقطعها فأكون عاصيًا
بتركها، وما ذكره أكثر منفعة، فعاهده على الوفاء بذلك وحلف له، فرجع العابد إلى
متعبده فبات، فلما أصبح رأى دينارين عند رأسه فأخذهما وكذلك الغد، ثم أصبح اليوم
الثالث وما بعده فلم ير شيئًا، فغضب وأخذ فأسه على عاتقه فاستقبله إبليس في صورة
شيخ فقال له: إلى أين؟ قال: أقطع تلك الشجرة، فقال: هيهات، فأخذه إبليس وصرعه،
فإذا هو كالعصفور بين رجليه وقعد إبليس على صدره ، وقال: لتنتهين عن هذا الأمر أو
لأذبحنك ، فنظر العابد فإذا لا طاقة له به ، قال: يا هذا غلبتني فخل عني وأخبرني كيف غلبتك أولاً
وغلبتني الآن؟ فقال: لأنك غضبت أول مرة لله وكانت نيتك الآخرة فسخرني الله لك ،
وهذه المرة غضبت لنفسك وللدنيا فصرعتك " من كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي
.
وهنا
العبرة أيها الثوار في هذه القصة الرائعة " وأخبرني كيف غلبتك أولا وغلبتنى الآن فقال لأنك غضبت أول مرة
لله وكانت نيتك الآخرة فسخرني الله لك وهذه المرة غضبت لنفسك وللدنيا فصرعتك " ..
فاصرعوا
الدنيا أيها الثوار ( مجاهدين وسياسيين ) في نفوسكم ..
واصرعوها
في حياتكم .. قبل ان تصرعكم ، واغضبوا لله قبل أن يغضب الله عليكم فيسلط عليكم الأعداء
والمتخاذلين والمثبطين ، ويستبدل قوما غيركم ..
قال
تعالى { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا
يكونوا أمثالكم } ( محمد : 38)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق