" أن تبقى ضحية التاريخ، ولا تقاوم لتتعافى
من تبعيتك وتصنع ذاتك والتاريخ؛ فهذا قرار بأن
تكون ذليلا ضعيفا حاقدا على نفسك وناقما بسبب نقصك عل الآخرين. فتسوّغ تصاغرك وعجزك وإخفاقك بالمظلومية والثأرية وتآمر الأغيار عليك...
أنت الخاسر قبل اي أحد آخر ...أما اللجوء لاضطهاد
نفسك باللطم والتباكي وجلد الذات وتحطيم الآخر؛ فهو جزء من معاقبة نفسك على نقصانها وتخاذلها أمّا تعذيب الآخرين تحت مسمى الانتقام التاريخي؛ فلأنك ناقم ، وتحس
بالنقص والضآلة وتستمرىء المظلوميّة. وبغض
النظر عن كل التسويغات؛ فإن العواقب المسؤول عنها دموية عليك وعلى غيرك.".
للاسف هذا
حال كثيرين في واقعنا، من الذين يشنون الهجوم الشرس العنيف على المطالبين
بالنهضة والحرية والكرامة والثائرين على الواقع
وانسداد الأفق التاريخي. فليس هناك
أبعد غورا في الباطل من المنافق والجبان الذليل.. ونحن كنا أغلقنا الباب علينا داخل مرحلة واسعة من تاريخنا..
ترسّخت تحت تصنيف الامتهان. وفجأة، من دون استعداد، هبّت الرياح وعصفت بالأبواب الموصدة وكشفت الستائر
عن المخبوء الذي سكت الضمير عليه وعنه. واندلعت بوجه الثورات حروب طاحنة جاءت ردا ممنهجا
على رياح التغيير التي لو استمر زحفها، ستسقط
العروش الفاسدة الطاغية في بلادنا. فإذا نحن أمام ميراث فظيع من طائفية وعنصرية ورجعية، كانت تلونت وتتبطّنت بأشكال كثيرة ... وإذ بعقل
طائفي مستبد متوحش متواطئة معه شبكة من أنظمة عالمية يعملان للقضاء على مشروع التحرر
والنهوض والاستقلال.
فهل حربنا هي حرب طائفية؟
حرب بين السّنة والشّيعة؟
بين الإسلام العربي والإسلام الفارسي؟
بين الأقليات المحتكرة للقرار وبين
الإرهاب الإسلامي....
هل هي حرب قوميّة؟
بين العرب والفرس؟
أسئلة. والإجابات واضحة ....لكن مازال
من يرفض قبول الإجابات ويستنكر افتراض الأسئلة.
هي، حتما، حرب تحرّرية عقب ثورة الحرية والكرامة..وحرب مقابلة ضدها.. لكنّها، أيضا،
حرب بين العرب والفرس. والدين أحد وجوهها.
مثلما كانت حروب الفرنجة على العرب تحت مسمى
الحروب المقدسة(الصليبيّة) ، ومثلما مازالت مستمرّة بين الغرب والعرب والدين أحد وجوهها؛ إذ لا يمكن تبرير هجوم
بربري شرس يقتل البشر بحرب إبادة وبمجازر فظيعة ويصنفهم بين أشرار وأخيار إلا بعصبيّة قوميّة ودينيّة وبشرعيّة عقائديّة وتشريع
سياسي له مظلومية حقوقية.
لعل الأشد صدمة هو موقف عموم الأقليّات الدينيّة،
من إسلامية وغير إسلاميّة، في الانحياز للاستبداد
والطغيان بحجة الحياد والخوف من الإرهاب..كذلك تصعيد النزعات الانفصالية لدى الأقليات
العرقيّة، بالإضافة إلى موقف أطياف الرماديين
من جميع الفئات والمكونات، يتبع ذلك تخاذل
الأنظمة السياسية الحاكمة التي تدّعي حماية العروبة والإسلام، وهي في مرمى الهجوم
..شعبيا وشعوبيا وقد تواطا أكثرها مع الهجمة الدولية المعادية للثورات العربيّة بحجة
الإرهاب؛ خوفا على عروشها.
عموم الأقليات
وجموعها رفضت الثورة، حتى قبل أن يكون هناك قواعد للمتأسلمين المتطرفين ولعصابات الإرهاب،
بالتحديد، الطائفة العلويّة، فتقاعست عن نصرة
الثورة السورية السلمية، وعمل منهم في التشبيح مع النظام ودعمه بحجة محاربة المندسين والخونة ثم الإرهابيين، متاغمين مع حمى
الحرب العالمية على الإسلام ( الإرهاب)...وليس الادّعاء بأنهم وقعوا بين
نار النظام الذي يتحكم بهم وبين المتعصبين الإرهابيين مقبولا، فهم تحالفوا ضد شركائهم في الوطن، وراحوا يطالبون
بأنواع من ثأر تاربخي عدائي، رافضبن التخلي عن مكاسب استئثارهم بالسلطة؛ علما بأن الثورة في شعاراتها وحراكها، في مطلعها
وفي أوج توقّدها، مدّت يدها لهم، كذلك فعلت
المعارضة.
النظام الأسدي لم يورّط أحدا؛ بل الجميع تورطوا
معه في الحرب حتى لا يخسروا ما كان في أيديهم. والفقراء من الطوائف كانوا الأكثر تورطاً
بسبب جهلهم وحاجتهم للوظائف التي يعملون فيها على حساب الملايين الكثيرة من الشعب.
لكن:
لأجل من يحارب بشار؟ هل لطائفته؟ هل لإيران ؟ هل لإسرائيل؟ هل لكل ذلك؟
حزب الله يسير بأمر إيران وهي عدو
للعرب. الدولة الفارسية الصفويّة..
لمصلحة من كان ومازال يحارب المالكي. ولماذا ذبح حتى الشيعة الذين عارضوه في الجنوب؟
لماذا يأتي الحوثيون وغيرهم لقتال
الأبرياء في سوريا؟
من المستفيد من هذه الحرب؟
ومن هم أعداء العرب؟ الفرس ..؟ الغرب؟ الصهيونية؟ الصهيونية المسيحية
اليهودية؟
إنها هي حرب احتلال للعقل والتاريخ والجغرافيا والإرادة.
ولا يمكن اعتبار ما يجري في سوريا بالمطلق هو
صراع سني مع الشيعة والعلويين والواقفين معهم. مع أن الذين
يموتون سنة، والذين يجري قتلهم من السنة.. لكنها هي حرب تحررية. لذلك يجب إعادة النظر في المعركة ومصطلحاتها. فالثورة لما بدأت لم يكن هدفها هدر التعايش ولن يكون...
هدر التعايش برنامج سياسي منظم للاستقواء
علينا وتحطيمنا.
ليس جذر المشكلة في ثورة سوريا وفي الحرب عليها
وعلى أهلها، الصراع السّني أو الشيعي أو المسيحي
أو العلوي.
إنه الصراع الاستعماري الأزلي الأبدي
من منطلقات: عصبيّة الشيعي الفارسي. عصبية
الغربي الصليبي. عصبية الصهيوني. عصبية السني الوهابي. عصبية الباطني الشعوبي. ...وأي ذبح
في التاريخ كانت تدخل عليه قوى خارحية مستغلة الاقليات وبذرائع واهية. . هذا لا بيرئ
جموع الأقليات ولا غير الأقليات. لكن من الواجب معرفة المشكلة لتعرّف النتيجة. الكل
تدخلوا في المجتمع باسم الدين أو العرق...
حتى تركيا العثمانية، في الماضي، بنت إسلاما يناسبها وخطابا عقائديا برر لها الهيمنة...ويمكن
ان يعاد الأمر من الجميع وفي أي وقت وتحت أي مسوّغ.
وجزء من المشكلة أنّ النّخبة العنصرية التي ترتدي العلمانية كرؤية عميقة لاتينية، تصر على
اجتثاث الآخر وعلى إقصاء الفكر الإسلامي وتقزيم
نفوذ المسلمين سياسيا واقتصاديا وفكريا. وفي المقابل، كجزء من لعبة التأزيم، جاء بناء
قاعدة لا تقل وحشية وظلاميّة عن النظام الأسدي،
تحت مسميات وتصنيفات إسلاميّة، وعبر أمراء حرب يستخدمون شعارات الإسلام ويتحركون
وفق مخطط إرهابي دولي مدعوم من مخابرات وسلطات
خفيّة، ويسير بتوجيه المتحكمين بالحرب وتجارتها،
ليحاربوا مشروع التحرر والتنوير باسم محاربة ملّة الكفر.
من الجلي أن مفهوم العروبة بمكونها الجوهري الإسلامي
التعايشي الإنساني لا العنصري. والإسلام بمكونه الجوهري ..لكن ليس الإسلام المنسوخ
من المقابر أو من مضارب الوهابيين. ومعركة الأقليات هي الوقود لتشغيل التدخلات الخارجية
وتمرير النزاع والتقسيم ... لذلك يجب إنهاء
تموضعها السياسي: فكريا، .عسكريا، اقتصاديا.، قبل بناء الدولة الديمقراطية، وإلا لن ينجح البناء
الديمقراطي. بل سيجري الاعتداء على الشرعية الديمقراطية بحجة الخوف من الإسلاميين والإرهاب.
تضاءل
اليقين بنجاح الثورات وعودتها إلى التوقّد والانتشار والتوسع؛ فيجمع أغلب المحللين على أن الثورات انتهت ودخلنا في حرب
أهلية وانحراف واقتتال طائفي . لكن هذا الكلام غير دقيق، وليس مبنيا على التحليل الموضوعي. فالحرب الطائفية قائمة منذ أمد.. والآن جاء حسمها.
وهي مرحلة جديدة للثورات العربية؛ فبعد الخروج
وتكسير الصمت والسعي لإسقاط النظام. أصبحنا الآن في حربٍ لتحرير الذات والوطن وكسر
منظومات راسخة رجعية وفاسدة.
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق