خطر تسلل
الأفكار السيئة الخربة، والرؤى الدخيلة، والتصورات الجانحة، والثقافة المغالية، إلى
عقول الأجيال، أكثر خطراً من حالات التجسس الأمني، أو التهديد بنوع من أنواع الأمراض
ذات الانتشار السريع، والعدوى المتحركة بسرعة البرق.
ذلك أن هذه
الأشياء يمكن أن نواجهها، بوسائل المعرفة، والإحاطة بالموضوع، ثم مكافحة ذلك بما يستحق
من علاج، (وواحد زائد واحد يساوي اثنين)، ضمن قوانين الأخذ بالسبب.. ( لكل داء دواء،
فتداووا).
أما أمراض
الأفكار والعقول، فإنها أشد فتكاً، وأكثر خطراً، لأن الذي ينتج عنها، ستكون عواقبه
وخيمة، كيف لا! والأمر متعلق بالهوية، التي هي عنوان الوجود الحضاري، ذي البعد الذي
يحدد الوجود
من عدمه،
إما أن تكون أو لا تكون، بل ربما كان سبباً في نحر النفس ( إذا أردت قتل عدوك، فغير
فكره، ينتحر به) .
وفي عالم
اليوم، الذي يغص بوسائل المكر، وألعوبات الكيد، لم يعد الأمر مقبولاً، بتسطيح الأفكار،
وسذاجة التحليل، وتهوين الخطوب.
في عالم اليوم،
تصنع الأشياء، بكل أنواعها – ومنها الفكرية – بمصانع عالية الاتقان، ويكون ذلك على
أيدي مهندسين، علموا من أين تؤكل الكتف، وبرعوا بطرائق التسويق للمنتجات، ويملكون أدوات
الترويج، ووسائل الوصول إلى الآخرين.
تأخذ لوناً
ظاهراً براقاً جذاباً، وفي باطنه السم الزعاف، وفي مثل هذا الخداع، وفي أجوائه المختلطة،
تمكن أسرار الانتشار والقبول، لهذه الغرائب من الأفكار، والفظائع من أيديولوجياتها
المسمومة.
وهذه حقيقة
لا يماري بها اثنان، ولا يختلف عليها عاقلان، فبقاء الهوية، هو سبيل الحرية، واستقلال
الاعتبار، الذي يمنحك ( السيادة) من غير طلب، وهو الحصانة الذاتية، التي تجعلك تقف
على قدميك
شامخاً، وتترك
عدوك يضرب لك التحية، بينما هو يقف على قدم واحدة.
نحن في زمن
لا يحترم فيه إلاّ الأقوياء، ولا مجال لنظرة الرحمة، في القضايا التي تكون على منصة
التعاطي، وهم يتعاملون معك، والقانون لا يحمي المغفلين، كيف والأمر أكبر من هذا، وأعظم
من صورته التقليدية.
فالسيادة
والقوة بمفهومها الشامل، لا تأتي بقرار من هنا أو هناك، ولكن تولد حقيقة على الأرض
من خلال معطيات، لها أصولها وقواعدها، ومفرداتها وعناوينها، ومتى ما طلبت لتمنح من
أحد – كائناً
من كان
- فإنك توقن أن الأمر فيه خلل فظيع، وداخل
في دائرة العجز والترجي.
وصور هذه
المسألة قديماً وحديثاً، معروفة معلومة، وتتأكد أكثر وأكثر، كلما زادت تعقيدات الحياة،
في عالم القوة، خصوصاً مع عناصر التطور المعرفي، في فضاءات العولمة، والإشغال في تفاوتات
الصراعات
الضخمة، على محاور الأمن والمخابرات، ووسائل التجسس والاختراق، والأسلحة المتعددة،
وفي المجالات كافة، وهذا جزء من العلاج، لأن معرفة المرض وتشخيصه، هو المقدمة
الطبيعية،
لتوصيف العلاج، وإلا كان اللعب في مربعات استهلاك الجهد، دون فائدة تذكر، ونصاب بغفلة
الصالحين، ليس على مستوى الرواية ومخاطرها، والشهادة وآثارها فحسب, ولكن يكون هذا فيما
هو أدهى وأمر،
حيث النواتج التي لا تبقي ولا تذر، وهنا تظهر الخطيئة التي لا تتكرر.
وفي كثير
من الأحيان، فإن شياطين الإنس، كما شياطين الجن، يبحثون عن فرج في الصف، وفراغات في
الجماعة - بمعناها الواسع المستوعب- ومن خلالها، تكون فرصتهم، للتسلل، ودخول مساحات
الخطر، ليلعبوا
ويفتنوا الناس، فيغيروا خلق الله، بوسائل الاصطناع للحدث، ولو بمكياج مبهر، أو عملية
تجميل، أو خداع بصر، والنتيجة واحدة.
من هنا تبرز
قيمة المسؤولية الشرعية، والأمانة الأخلاقية، ويأتي دور المؤمن اليقظ، الذي ليس خباً،
ولا الخب يخدعه، فيفهم اللعبة، على حقيقتها، ويعطيها أبعادها التي تستحق – من غير عقد،
ولا
نظرية مؤامرة-
ليسد الخلل، ويغلق منافذ الفراغ، ويسوي الصف، وتكون الصلاة صحيحة، ولو خلف من ظهر منه
قصور، دفعاً للفتنة، ودرءاً للخطر، وترغيماً للشيطان الذي يتربص بالأمة.
لذا لزم وعي
المسألة، وعياً يتناسب مع حجم المأساة، وهنا تكون الكفاءة في القيادة، وحسن التدبير،
في مقابلة الخطة بالخطط، والمنهج بمناهج، والوسيلة الشريرة، بوسائل نافعة، والمعاصرة،
بما يوازيها من فقه الواقع.
كما أن تعاون
العاملين للإسلام، واجب تفرضه الحقيقة الشرعية: (وتعاونوا على البر والتقوى) , (والله
في عون العبد، ما دام العبد في عون أخيه), وصار واضحاً أن الإسلاميين هدف، وبات معلوماً
لمن له أدنى
مسكة من فكر، أن الناشطين، وبهذا التعبير هم من يراد بهم السوء، من قوى الشر، ودعاة
الظلامية، وخفافيش الليل، واليوم في بعض البلدان يصطاد هؤلاء واحداً إثر الآخر، من
قوى
طائفية معروفة،
في المنطقة، ولا زال بعض الناشطين؟! يفكرون بطريقة العصر الحجري، في تناول الموضوع
أو تفسيره؛ دينياً أو تاريخياً أو سياسياً أو من منظور اجتماعي، أو من خلال قراءة ثانية،
تدهش وتغرب.
وما أشطرنا ببث الدروس في التحذير، وكلنا يردد (
أكلت يوم أكل الثور الأبيض أو الأسود أو الأحمر أو الأصفر) لا فرق فالنتيجة واحدة.
فهل حان الوقت،
لنعي الدرس، على مائدة التعاون، ونغلق منافذ الاختراق، في عالم الفكر، لنواجه الحقيقة
بكل ما تستحق من عناية؟ أم أننا ما زلنا نفكر، حتى نضع النقاط على الحروف، ونحتاج إلى
وقت طويل
لنجيب، عن أسئلة، كيف، وأين، ومتى، ولماذا؟!
قال تعالى:
"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة: 71).
وتأمل هذا
المثل الذي ضربه نبينا صلى الله عليه وسلم؛ عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ:
قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- : «مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ
وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ
إِذَا اشْتَكَى
مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى» (متفق عليه).
وفي الصحيحين
قال صلى الله عليه وسلم: «المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً,
وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ.»
وعن جابر
بن عَبْدِ اللَّهِ وأبي طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الأْنصَارِيَّ رضي الله عنهم جميعاً،
قالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً
مُسْلِماً فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ
عِرْضِهِ،
إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ
يَنْصُرُ مُسْلِماً فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ
مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ» (صحيح أخرجه،
أحمد وأبو داود).
فعند ابن
حبان بإسناد صحيحٍ قول نبينا صلى الله عليه وسلم:«أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في
قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ
قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه قال:علام جلدتموني؟ قالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور،
ومررت على مظلوم فلم تنصره».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق