يتعجَّبُ كثيرٌ من
المتابعين للأحداث السُّوريَّة من ترشُّح «بشَّار الأسد» لولاية
جديدة في رئاسة دولةٍ لم يبقَ منها إلا آثارها الدَّارسة، ومن أهلها إلا الأشلاء المقطّعة،
ولعلَّ هذا الاستغراب نابعٌ من عدم وضوح الفكر السّياسيّ الذي ينتهجه «النِّظام»
في حكم «سورية» منذ استيلاء عائلة «الأسد» على
السُّلطة قبل أربعين عامًا ونيِّفًا.
إنَّ الفكر الذي
يتعامل به نظام «الأسد» في حكمه للبلاد ينبع من حقيقة نظرةٍ
استعباديَّة متأصِّلة للشَّعب، واستملاكيَّة مطلقة للأرض، ولا يجوز لأحد أن ينازعه
فيهما، ولا شكَّ أنَّ القتل والتَّدمير في المرصد لكلِّ من يتجرَّأ على التَّفكير
في الخروج على هذا المنهج، أو النَّظر في مراجعته، وقد شهد العالم بأسره هذه
الحقيقة التي دخلت عامها الرَّابع.
لكن ما يدعو للتَّعجُّب،
ويبعث على الاستغراب أنَّ هذا العالم المتابع للأحداث، لم يسعفه العقْلُ على إدراك
هذه الحقيقة؟! ولم يعمل جاهدًا في محاولةِ تقبُّلها، وإيجاد حلِّ يتناسب مع هذه المأساة
التَّاريخيَّة التي تجاوزت أبعاد الحدود البشريَّة، وإن كان يدَّعي خلاف ذلك من
خلال مجاهرته برفض ما يراه من تعسُّف سياسيّ، وإرهاب إجراميّ من قبل «الأسد»
نفسه.
إنَّ الإعلان عن
ترشُّح «الأسد» لتولِّي الرِّئاسة مجدّدًا يُظهر بوضوح حقيقةً
مقابلةً للمحنة الفريدة التي يعيشها الشَّعب السُّوريّ، ألا وهي أن لا أحد يرى هذه
المأساة إلا من منظور المصالح التي يسعى الجميع إلى تحقيقها من خلال إطالة الفترة
الزَّمنية لها، والإبقاء على حالة الفوضى اللامتناهية في منطقة «الشَّرق
الأوسط»؛ بل إنَّ كثيرًا من هذه الأطراف مقتنعٌ بأنَّ «الأسد»
هو الوحيد القادر سياسيًّا وعسكريًّا على إدارة هذه الفوضى العارمة، ممَّا يجعلهم
متراخين في قضية قبول ترشُّحه من جديد.
وفي ظلِّ ذلك كلِّه
يحاول «الأسد» أن يجعل من هذه المهزلة الانتخابيَّة عمليَّة في أعلى
درجات النّزاهة والدِّيمقراطيَّة، من خلال قبول ظهور منافس له في السَّاحة
السِّياسيَّة، وهو أمر لم يكن معهودًا من قبلُ، إذ لم يكن مثل هذا التَّفكير يراود
أحدًا، ولا يخطر على باله في أحلامه؛ لأنَّ عقوبةَ السِّجن المؤبَّد، أو الموت
المحتَّم بانتظار حلمه إنْ وُجِد.
وعندما نصفها بالمهزلة
الانتخابيَّة، أو المأساة الإجراميَّة فإنَّنا نشير في جوهر الأمر إلى إظهار
الواقع الذي تعيشه «سورية» بكلِّ ما تعانيه وتقاسيه من مصائب ومتاعب
وويلات تهجير وتدمير، فقد خرج السيِّد «اللَّحام» رئيس «مجلس
الشّعب السُّوريّ» ليعلن من خلال منبره عن ترشُّح «الأسد»
لولاية جديدة، هذا المنبر الذي كان له الدُّور الأكبر في تعديل الدَّستور خلال
سويعات من نهار من أجل وصول «الأسد» إلى سدَّة الحكم، متجاوزًا بذلك
ملايين السُّوريِّين الذين من المفترض أنَّه يمثِّلهم.
ولا يخفى على أحدٍ من
السُّوريِّين أنَّ «مجلس الشَّعب» عبارة عن يدين فقط، لا تتحرَّكان
إلا للتَّصفيق لمن تراهُ بطل التَّاريخ الذي يعيش حالة منفردة في مواجهة «مؤامرة
كونيَّة» صمد في وجهها حتى الآن، لكنَّهما مشلولتان عاجرتان عن تقديم أيِّ
مساعدة أو حلِّ لأدنى مشكلة قد تعترض لفرد من أفراد الشَّعب السُّوري. هذا المجلس
الذي يضمُّ بين دفَّتيه أعضاء قد صدرت قرارات تعيينهم من القصر الجمهوريّ عبر
تزكية بعد رشوة مالية تسمح لصاحبها ببيع الأرض والولد!
يحاول النِّظام ومجلسه المعيِّن أن يُظهرا
للعالم أنَّ الظُّروف مناسبةٌ لإجراء الانتخابات الرِّئاسيَّة، وفي جوٍّ مميَّز من
الديمقراطيَّة، عبر صناديق اقتراع، قد لا تكون متاحة للشَّعب في غُرف سريَّة، أو
أماكن محميَّة، وإنَّما يرسلها عبر طائراته محمَّلة بالبراميل المتفجِّرة ليخرج
علينا «رئيس المجلس» للإعلان قريبًا عن نسبة تتجاوز التّسعين بالمئة
لصالح «الأسد».
والسُّؤال الذي
يتردَّد هنا: إذا كانت هذه الظُّروف واضحة جليةً للمجتمع الدُّولي فلمَ يغضُّ
الطَّرف عنها ويسمح بإجرائها؟ ألا يشكِّلُ ذلك طعنةً في الجهود السِّياسيَّة التي
يدِّعي بذلها من أجل إيجاد مخرج وحلٍّ للأزمة؟ أليس هذا المجتمع هو نفسه من سمح
لعاجز أن يترشَّح وينجح في بلد عربيٍّ آخر؟ ألم يساند ويدعم انتصار الثَّورة المضادَّة
في بلد ثالث؟ أم أنَّ الوقت لم يحن بعدُ للتَّخلِّي عن «الأسد»؟!
د. محمد عناد سليمان
23 / 4 / 2014م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق