أول ما بدأت الثورة أصبحت أخشى من
الدم (ولم أكن أخاف)، ثم وبعد فترة الكثير من الأعراض ترافقت مع رؤية صور المعذبين
والجرحى ، أقلها وجع المعدة وعدم القدرة على رؤية صور الشهداء والأطفال المعذبين بالطرق
الأسدية الوحشية، ثم اختفت تلك الأعراض ليكون الوجع كبيراً وبدأ يغور من السطح إلى
الأعماق، وخلال تلك الفترة كثيراً ما كنت أعبر عن ألمي بالكتابة لأعيد إخراجه للسطح
قبل أن يتعمق أثره، فيبدع القلم وجعاً وأسقط ألمي على الكتابة التي تنقل آلامنا وفجيعتنا
بالمعتقلين والشهداء والمعذبين .. مرت الأيام واليوم أجدني في حال غريب جداً ..
لم أعد أستطيع أن أعبر عن ألمي أو
أخرج شيئاً مما في داخلي لأنني لا أستطيع الوصول إليه لشدة عمقه في قرارة الوجدان والإنسانية
المبتورة وكأنه في غياهب الجب وبالتالي لا أستطيع أن أنقله سواء إلى السطور أو إلى
أي أحد محادثة أو كلاماً وأجدني أتهرب من الحديث عن المعاناة، وكأن الحياة طبيعية
(كتعبير وممارسة) رغم أن الفظائع أضعاف ما كان يحدث وبالخفاء وبصمت الموجوعين الذين
نفد عندهم الصراخ، أحاول أحياناً لكثرة الضغوط التي تحيرني من أين هي؟ أحاول أن أكتب
عنها ولكن لكثرتها أضيع في غياهب المعاناة وفي غياهب ما يحدث فلا أجد ما أقوله، أحياناً
أكون بحاجة للتعبير عن حالتي حتى أخرج منها لكنني لا أستطيع ولا أعرف كيف فأعود للحياة الروتينية، ولكن الكثير يتراكم
فوق الدمار العاطفي والنفسي الذي نشعر به، من جهة أخرى أشعر وكأنه لا شيء مفرح في هذه
الدنيا ولا أستيطيع الشعور بأي أمر مفرح وسرعانما ما أعود للحياة مجدداً (بلا مشاعر)
هاربة من فشلي في معرفة مؤشر الوجدان ، وبلا نكهة للحياة، كل شيء هنا سواء، الموت والحياة
بل أحياناً يتفاضلان ويتصارعان على مرتبة الاختيار عندما نحتار ..
حالي يشبه آخرين من الثوار الذين أتحدث
معهم والناس ولذلك أكتب عن هذا، كثيراً ما يمر بنا حالات مأساوية تستفز المشاعر ولكن
لا نحرك لها مشاعرنا ساكنة بينما حادثة بسيطة أو كلمة تنهمر عندها الدموع بشكل غير
متزن مع حجم المؤثر وتأثيره الطبيعي، حادثة كبيرة لا تتحرك عندها المشاعر بينما أمر
بسيط يجرحنا بعمق وكأن التعبير عنهما مقلوب،، حالة غريبة من التعامل مع الأحداث إنسانياً،
لا نستطيع تمييز مشاعرنا أبداً فالكل مختلط بالكل وجع مرير رغم وجه باسم لتبدو للآخرين
ضآلة أهمية الدنيا، نهرب بالضحك وتناسي "بل وسباق" الأوجاع التي ندفنها تحت
الرماد، نسبق تلك الأوجاع لنتجاوز زمنها، إننا نتجاوز لحظات الحزن بسباقها للأمام وكأنها
عابر سبيل يمر بنا كل ساعة اعتدنا على وجهه القبيح، ربما اعتلال إنساني ونفسي ومشاعر
ووجدان متشقلب ومتشوه وعميق وكأن الحجر بقساوته والماء برقته اختلطا في كائن إنساني
جديد الآن هو نحن ..
لا أستطيع أن أعبر عن أي ألم، كل شيء
عادي، لا فرح ولا حزن شديدين كما كنت، لا نكهة ولا طعم للحياة، كالآلة حياة روتينية
عادية مطعمة بنكهة واحدة فقط هي الإصرار على المواصلة برفقة الأهداف التي نسعى لتحقيقها
في متابعة الثورة.
ويحدث أن كل شيء فينا يبكي إلا العيون!
ترى هل نعود كما كنا؟!
سؤال برسم الإجابة وسؤال برسم التاريخ
الذي لم يحدث مثيله.
شام صافي
29-4-2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق