بعد أربعة عقود عجاف من سيطرة
العائلة الأسدية على مقدرات بلدنا الحبيب سورية، ومن ورائها الطائفة العلوية وجمهرة
المنتفعين من كل حزب وملة، تصحرت الحياة وتعفنت النفوس، وتحطمت المفاهيم والقيم
الأصيلة في مجتمعنا الضارب جذوره في أعماق التاريخ، وجاءت مأساة العصر في حماة عام
1982 التي ارتكب فيها النظام من الجرائم ما تقشعر له الأبدان، وما يندى له جبين
الإنسانية، فزاد الطين بلّه، وخيم على البلاد رعب دفين استقر في النفوس وعشعش في
الأبدان، فعزف الناس عن أمور البلاد وانصرفوا إلى حياتهم ومعيشتهم، وتركوا شؤون
الحكم وأموره إلى تلك الأيادي الآثمة تفعل ما تريد وتمضي بالبلاد إلى الهاوية،
تخرب دينها ومعتقداتها، وتحطم قيمها وأخلاقها، وتمسح تاريخها المشرق الوضاء لتختصر
آلاف السنين من تاريخها المجيد بسورية الأسد.........
ووقف المخلصون من أبناء هذا البلد
حيارى ..... وقد دب اليأس في قلوبهم ولسان حالهم يقول: العين بصيرة واليد
قصيرة.....وما باليد حيلة.... وليس لها من دون الله كاشفة .....القلوب منكسرة
والنفوس مريضة....وما عادت هذه البلاد لِحُرٍّ موطناً.
تفرق السوريون في أصقاع الأرض
يبحثون عن حياة كريمة، وبلد يحميهم من بطش هذا النظام، ولقمة عيش غير مغموسة بالذل
والهوان، حتى وهم في غربتهم وبعد وصولهم إلى مايريدون من جنسية وبلد يأويهم لم
يفارقهم الرعب والخوف ...إن لم يكن على أنفسهم فعلى من تركوا وراءهم من أهل وأحباب
في أرض الوطن.
ولكن إرادة الله أرحم بهذه الأمة
من أن تتركها للذل والهوان واليأس ...فهبت رياح الربيع العربي على المنطقة منطلقة
من تونس، ثم تبعتها أخواتها الواحدة تلو الأخرى، وتوجهت الأنظار إلى سورية، ليس من
السوريين فحسب ولكن من العالم الإسلامي كله، فأرض الشام هي أرض الحضارات ...أرض
الأمويين التي لم ير التاريخ حضارة أعظم شأناً وأكثر امتداداً منها...
الأرض التي باركها الله في كتابه
العزيز، وبين رسوله الكريم- صلى الله عليه وسلم – أنها خير بقاع الأرض ..وأنها ظِئْر
الإسلام وعلى أرضها تحطمت أحلام الصليبين وغزوات المغول...... أرض العلماء والزهاد
والقادة العظام........
هل سيبدأ التغيير ؟؟.. كيف؟؟ ..
وسورية هي مملكة الرعب والصمت !!!..... لااعتراض حتى في الأحلام، أو في الهمسات
التي تتردد في النفوس ولاتغادر الشفاه.....
ولكن إذا شاء الله أمراً هيأ له أسبابه
.....وكانت انطلاقة الثورة السورية المباركة من أرض حوران الحبيبة بقصة الأطفال
المعروفة ...وما تلاها من تطورات وكان لدرعا الفضل الأكبر في تحطيم هذه السدود
والحواجز في النفوس أولا ..ثم على الأرض ثانياً ...فتهاوت جدران الرعب والصمت
...وانطلق المارد من قمقمه ...وما عاد ممكناً للعصفور بعد أن تحطم القفص، وانطلق
نسراً في الفضاء، وذاق طعم الحرية أن يعود من جديد إلى القيود والعبودية...مهما
كان الثمن !! .. فمن أجل حرية الروح والفكر، ونسمات الهواء العطرة المشبعة بالعزة
والكرامة تهون الدماء والأموال والأبناء.....
وانتشرت رياح الحرية إعصاراً
كالنار في الهشيم ..إلى الساحل السوري والجزيرة والمنطقة الشرقية ودمشق وريفها
وإدلب وحمص وحماة وريف حلب.....وحملت حمص الراية بكل عزم وقوة واقتدار حتى أصبحت
القلب النابض للثورة السورية.......
وتطلعت الأنظار إلى المتخلفين تستثير
فيهم النخوة والعزة، وتحثهم على المسير ...فهذا مركب عز لاينبغي لأحد أن يتخلف عنه....ومع
تقاعس أحبابنا وشركائنا في الدين والوطن تضخم الكلام، وكثر القيل والقال ....مابين
متمهل عاذر ومنتقد جارح أومستهزإٍ ساخرٍ .....
وهنا نحاول أن نعيد الأمور إلى
نصابها وأن نضع النقاط فوق الحروف، وقدوتنا في ذلك نبينا العظيم محمد عليه الصلاة
والسلام فهو الحكم والفصل، ففي غزوة تبوك سنة 9 هجري، كانت أيام عسرة وقيظ، خرج الرسول
-صلى الله عليه وسلم- وصحبه، وكلما مشوا ازدادوا تعبا ومشقة، فتلفت الرسول الكريم فلم
يجد أبا ذر فسأل عنه، فأجابوه: (لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره) فقال الرسول -صلى
الله عليه وسلم-:' دعوه، فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وان يك غير ذلك فقد أراحكم
الله منه ' وفي الغداة، وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا، فأبصر أحدهم
رجلاً يمشي وحده، فأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقال الرسول:' كن أبا ذر ' وأخذ الرجل بالاقتراب
فاذا هو أبو ذر -رضي الله عنه- يمشي صوب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يكد يراه
الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى قال: 'يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث
وحده.
هذه الثورة معجزة ربانية في أرض
الشام .....وكل يوم يمر عليها يشتد ساعدها وتمتد جذورها في أعماق الأرض ترويها
الدماء الحرّى الزكية، وترتفع فروعها في السماء خضراء مورقة مزهرة، ولا يشرق عليها
فجر جديد إلا وينضم إليها أنصارجدد ...توقفوا... تأملوا... أعادوا حساباتهم
...وبدأوا عملية التغيير من أنفسهم قال تعالى:( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) {الرعد:11} فأكرمهم الله بالانضمام إلى
هذه الثورة لينالوا بها فخر الدنيا وعز الآخرة.....
الثوره السورية العظيمة تنادي المتخلفين
المتقاعسين من كل حدب وصوب..من كل مدينة وقرية ..ومن كل ملة وطائفة أن هلمّوا
والحقوا بالركب.....هلمّ إلى ثورة العزة والكرامة ..ثورة الشرف والإباء ..ثورة
الحق والحرية ..ثورة المظلومين على الطغاة المتجبرين ...
أنتم إخواننا وأحبابنا وشركاؤنا في
الوطن والدين واللغة...لا نريد أن يفوتكم هذا الخير فتغضبوا رب الأرض والسماء
...وينالكم ذل الدنيا والآخرة ...وثقتنا بكم عالية والخير متجذرٌ في أعماقكم،
وتاريخ أرض الشام شاهد عليكم، ثم إن الثورة تحتاجكم، إنها تحتاج إلى جهاد وكفاح
ونضال ودماء كل فرد صادق مخلص من أبناء هذا الوطن ....إنها من بعد توكلها على رب
السماء تطلب النصرة من أصحاب الضمائر الحية ذوي المروءة والنخوة والشهامة، وتأمل انضمامكم
إلى ركب الثورة كي يشتد عضدها بكم ولاغرابة في ذلك ! فعندما كلف ربنا موسى بحمل
أعباء الرسالة، طلب من ربه سنداً قال تعالى: ( اذهب إلى فرعون إنه طغى قال رب اشرح
لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون
أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا
).
ورسولنا الكريم –صلى الله عليه
وسلم- كان يدعو ربه قائلاً: (اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو
بعمر بن الخطاب (
إن لحقتم بالركب فهذا أملنا
ورجاؤنا فيكم ........وإن أبيتم إلا الصمت ومهادنة الظالمين، والسكوت عن جرائمهم،
وتمسكتم بالحياة الدنيا ومتاعها الفاني، فإننا نقول لكم ماقاله نبيينا محمد –صلى
الله عليه وسلم – في أبي ذر-رضي الله عنه- وأمثاله من المتخلفين: (فان يك فيه خير فسيلحقه
الله بكم، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه).ونقول ماقاله تعالى قي أمثالكم في سورة التوبة: (
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَامِنَ الآخِرَةِ
فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ(38) إِلاَّتَنفِرُواْ
يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماًغَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ
شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
الثورة ماضية بإذن الله
بمن سار معها، ولن يضيرها من تخلف عنها.....والله ناصرها وراعيها وحاميها، فهذه
أرض الشام والله قد تكفل بالشام وأهله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق