عن
جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أتاني جبريل فقال:" يامحمّد عش
ماشئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ماشئت فإنك مجزيُّ به، واعلم أن
شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن
الناس.").
ويقول سبحانه وتعالى في سورة مريم
: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا
(93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَرْدًا (95)) [مريم]
إن شعبنا السوري بكافة أطيافه
الدينية وكافة أعراقه حكاماً ومحكومين يقف على مفترق طريق حاسم، ويحتاج إلى قرارٍ
حازم وسريع ينسجم فيه الشعب أفراداً وهيئات وجمعيات ومؤسسات أهلية وحكومية مع
السنن الكونية التي سنَّها الله في خلقه، ومع قيم الإنسانية التي ميزنا الله بها
عن كافة مخلوقاته، من نزوع نحو الحرية وطلب للعدالة والكرامة والمساواة، مع عبودية
لله وحده، وبذلك نكون جديرين بالخلافة في الأرض، وإعمارها كما أرادها الخالق لنا
وفق حكمته وسننه.
لو تفحصنا المشهد السوري مشهد
بلدنا الحبيب، لوجدنا حكاما جعلوا من أنفسهم آلهة يعبدون من دون الله ..... استعبدوا
البشر والحجر والشجر، وانتهكوا المحرمات التي جاءت شرائع السماء والأرض لتحرسها
وتصونها من سفك للدماء، وانتهاك للأعراض،وسلب للأموال، وتشويه للمعتقدات والأفكار،
ولاهدف لهم من وراء ذلك إلاّ استعباد البشر، وعدم السماح بتحرر العقول والأجساد من
طغيانهم وبطشهم، كي يحتفظوا بملكهم المزعوم، ويتمتعوا بهذا السلطان إلى الأبد كما
يدَّعون، ولوكان ذلك فوق الأجساد والأشلاء، وتدمير العباد والبلاد....
ونحن نقول لهؤلاء الحكام الطغاة
ولكل من تبعهم من جند وأتباع وأنصار ساروا في ركابهم، وسايروهم في باطلهم،
وشاركوهم أعمالهم الأثيمة أنهم ما خلقوا عبثا، وأنهم سيقفون أمام المنتقم الجبار
الحكم العدل سبحانه وتعالى ليحاسبوا فرداً فرداً على مااقترفوه من آثام، وما ارتكبوه
من ذنوب عظام تنوء بها الجبال، فهم ليسوا نشازاً من خلق الله، ولن يخرجوا بأي حالٍ
من الأحوال عن سنن الله في مصرع الظالمين في الدنيا قبل الآخرة، وهاهي أمام أعينهم
مصارع الظالمين جليَّة للعيان في أيامنا هذه في تونس ومصر وليبيا وغيرها .....
لقد قالها فرعون من قبلهم: { أَلَيْسَ
لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي....} قال: أنا
ربكم الأعلى. فجاءه العقاب مباشرة، { فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)} [النازعات]. لقد قالها العلماء والحكماء...لهؤلاء المتجبرين
والطغاة : لو دامت لغيركم ماوصلت إليكم......
وتلك الأيام نداولها بين الناس....
إن هؤلاء الطغاة لم ولن يفروا
أبداً من قدر الله، فالظلم مرتعه وخيم، ففي صحيح مسلم من حديث أبي موسى أن رسول
الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم
يفلته ثم قرأ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ
إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }[هود
102] ورب دعوة مظلوم سرت بليل غفل عنها الظالمون ولم يغفل عنها الله، فاستجاب لها
رب العزة فقصم ظهور الجبابرة والطغاة بعد أن ظنوا أنه لاغالب لهم.......
إننا ندعو كل فرد من هذه الطغمة
الحاكمة من شيطانهم الأكبر بشار، وإلى كل صغيرٍ تافه من جنوده، مروراً بكل من
ساندهم من علماء سوء وتجار ومخبرين وعملاء ومنتفعين من كافة الطوائف والمذاهب أن
يقفوا لحظة تفكر وتدبر، وأن يعيدوا النظر في أفعالهم وأقوالهم، وأن يختاروا بين
الوقوف مع الظلمة، مع ما يفضي إليه ذلك من ذلٍ في الدنيا وعذاب الله في الآخرة قال تعالى : { ... وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ...} أو ينحازوا إلى شعبنا العظيم الثائر
منسجمين مع قيم الحق والعدل والحرية، فينالوا بذلك عز الدنيا وسعادة الآخرة ورضا
الله....
الأمر عائد إليك أخي في الإنسانية
وفي الوطن وفي الدين واللغة، وتذكر أنه كما تدين تدان وكل نفس بما كسبت
رهينة................
وعلى الطرف الآخر يقف شعبنا الثائر
بكافة أطيافه..........هذا الشعب المصابر الكريم الذي حُرِم عبر نصف قرن من كل
حقوقه، فسلبت منه حريته بل وإنسانيته حيث تعامل معه هؤلاء الحكام الطغاة الفجرة بمرتبة
أدنى من الحيوان فساموه ألوان العذاب....حاربوه في دينه وعقله وفكره.....حاربوه في
لقمة العيش إلاّ أن تكون مغموسة في الذل والهوان .....أجبروه على تمجيد السفاح وهو
يقتله، والثناء على الحكام وهم يذبحونه.....منّوا عليه بلقمة الطعام التي يأكلها،
وشربة الماء التي يستقيها، بل وحتى نسمات الهواء التي يستنشقها......
وشاءت إرادة الله أن يبعث في هذا
الشعب روحاً جديدة وثّابة انتفضت تتحدى القتل والظلم والهوان تطلب حريتها وكرامتها...........
شعارها الموت ولا المذلة، مستذكرة قول عنترة :
لاتسقني ماء الحياة بذلة بل واسقني بالعز كأس الحنظل
وقول الأستاذ الفاضل عصام العطار:
طال المنام على الهوان فأين
زمجرة الأسود
واستنسرت عصب البغاة ونحن في ذل العبيد
قيد العبيد من الخصوع وليس من
زرد الحديد
فمتى نثور على القيود متى نثور على القيود
فإلى هؤلاء أحبابنا وإخواننا نقول
لهم : طبتم وطاب مسعاكم، وجعل الله الجنة مأواكم ...لقد نفضتم غبار الذل والهوان
واخترتم طريق العز والفخار، ولوكان مضرّجا بالدماء، فهذا شأن الطغاة في كل زمان
ومكان لايزولون إلاّ إذا سالت الدماء وبلعت التضحيات أوجها بالأموال والأبناء....لقد
قالها أمير الشعراء أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
أرواحنا وقلوبنا معكم، نستشعر
آلامكم وأمالكم، ونسترجع ذكريات ثلاثين عاما مضت منذ أن هُجِّرنا من بلادنا، ومُنِعْنا
حتى من التفكير بأن لنا أرضا ووطناً.
كم نتمنى أن نكون معكم نشارككم
الجهاد والكفاح ضد هذا النظام الطاغي الباغي الذي لم تر الدنيا له مثيلاً في
وحشيته وبطشه وجبروته......... إنكم منصورون بإذن الله ولو طال الزمن ...إنها سنة
الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا، فاصبروا وصابروا ورابطوا، واعلموا أن
النصر صبر ساعة، وتذكروا قول الله تعالى :( إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ
يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)
وبين هؤلاء الطغاة وبين شعبنا
الثائر تقف شرائح متنوِّعة من شعبنا، تراقب الأحداث بصمت.... بعضها يرفض المشاركة
لالتباس في أذهانهم بين الحق والباطل، وهم فئة قليلة جدا، نرجو أن يهديهم الله إلى
الحق بإذنه....... وآخرون وهم الأكثرية
الغالبة، فإن الحق واضح عندهم كوضوح الشمس في كبد السماء، ولكنهم يخافون على
أبنائهم وأموالهم، ويرون هذه التضحية أمراً صعباً وشاقاً............ ولهؤلاء نقول لقد اجتمعت كلمة المخلصين من علماء
هذه الأمة على وجوب الخروج على هذا النظام، بعد أن استباح بل دمّر الضروريات الخمس
التي جاء الإسلام لحمايتها من دين وعقل ونفس ومال وعرض....كما اجتمعت كلمة العقلاء
من أبناء شعبنا السوري من كافة الطوائف والمذاهب على ظلم وجبروت هذا النظام، ووجوب
الخروج عليه ليستعيد الشعب حريته المسلوبة وكرامته المهدورة........ مهما كانت
التضحيات.
إذا كان الأمر جليَّا لالبس فيه
فلمَ التقاعس إذاً ؟ ولمَ الخوف والجبن ؟..... إن نداء الحق والعدل والواجب يناديكم،
ودماء إخوانكم تناشدكم التأييد والنصرة، وها هي رياح الحرية قد هبت على المنطقة
بأسرها... ... إن تيار الزمن في هذه الأيام يسير مع كفاح الشعوب، وليس لهذه الأنظمة
الفاجرة في عصرنا هذا أي أمل بالبقاء والاستمرار، والمسألة هي الثمن الذي يجب أن
يدفعه شعبنا لينال حريته ....... ونحن نعلم أنه لن تموت نفس إلا بأجلها، وقدر كل
إنسان قد كتبه الله له وهو في بطن أمه ... راجع أخي الصامت موقفك وإن كنت من أهل
الإسلام فتذكر قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ
وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ
كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
وقال تعالى في سورة التوبة أيضاً :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ
فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلا تَنْفِرُوا
يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ
شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير).
وقال الإمام علي(رضي الله عنه):
أي يومين من الموت أفر
يوم لايقدر أم يوم قدر
يوم لايقدر لا أرهبه
ومن المقدور لاينجو الحذر
وإلى كل سوري عزيز كريم من شعبنا
العظيم، من أي طائفة أو ملة، نقول له : إن حياتك بحرية وعزة وكرامة نعمة عظيمة لا توازيها
كنوز الدنيا....وإن العيش في الذل والمهانة موت بطيء تتجرعه يوما بعد يوم.... فتحرك
يا أخي وكل شيء معك في مقارعة الطغيان ... تأييد الله وسنته في خلقه، وقوانين الحق
والعدل في الأرض، وتأييد الشرفاء من البشر ومنظمات وهيئات ودول لحقّنا العادل في
الحياة بعزة وكرامة، ولكن لا بد أن تبدأ وتلحق بالركب وتدفع الثمن .... وقد قال
المتنبي :
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
وفي النهاية نعود إلى ما ابتدأنا
به ...الجزاء من جنس العمل، وكل نفس بما كسبت رهينة والديان لا يموت، وكما تدين
تدان قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ
الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى).
كلنا سيقف أمام خالقه مُحاسَبا على
ما اقترفت يداه في هذه الدنيا ...وما ربنا بظلام للعبيد (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ
أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
وإلى لقاء قريب يجمعنا في بلدنا
الحبيب سورية محرّرة من كل ظلم وطغيان، تفيض بخيراتها على كل أبنائها بالعدل
والمساواة .... أوشهادة يرضى عنها أهل الأرض ورب السماء، قال تعالى: (قُلْ هَلْ
تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ
يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا
مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ).
د.فارس عبد الكريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق