عن خباب بن الأرت قال: (شكونا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا
الله تبارك وتعالى، أو ألا تستنصر لنا؟ فقال: قد كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤخذ فيحفر
له في الأرض، فيجاء بالمنشار على رأسه فيجعل بنصفين فما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط
الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب فما يصده ذلك، والله ليتمن الله عز وجل هذا الأمر حتى
يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله تعالى، والذئب على غنمه، ولكنكم
تستعجلون) [رواه أحمد].
هكذا دعوات المصلحين في كل زمان
ومكان، وعلى رأسهم الأنبياء من نوح عليه السلام إلى سيدنا محمد عليه الصلاة
والسلام مروراً بإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء الكرام عليهم أفضل الصلاة
والسلام........ نضال وجهاد وتضحيات هم والعصبة الذين آمنوا بما جاءوا به من خير
وفلاح في الدنيا والأخرة...........إلى أن يأذن الله بنصره متى شاء وكيف يشاء.
لقد مضى من عمر ثورة شعبنا السوري العظيم
سبعة أشهر، سالت خلالها الدماء أنهاراً فوق ثرى أرضنا الطاهرة. المحنة تتعاظم
وتشتد، والنظام المجرم البائس يتفنن في التنكيل والتعذيب والقتل، ولم يترك وسيلة خسيسة
دنئية أوقذرة إلاّ ولجأ إليها لإسكات صوت الشعب المجاهد بل ابتكر من الإجرام ماحيربه
عقول شياطين الإنس والجن !!!......
وفي خِضَمّ هذه الأوضاع الصعبة
والمأساوية يتأمل شعبنا الثائر في هذا النظام الفاجر الذي استعبدهم نصف قرن فلا
يرون إلا قلوباً قدت من الحجارة، بل هي أشد قسوة وإن من الحجارة كما ذكر ربنا
تعالى لما يشقق فيخرج منه الماء، أو يتفجر منه الأنهار.....وهؤلاء لايخرج منهم
إلاّ القتل والتدمير والنار والخراب.
لقد جمع هذا النظام حوله كل
قاذورات سورية بحيث يندر أن تجد منهم شريفاً صاحب نخوة أو ضمير.... وها هي الأيام
تمضي ولم يسمع شعبنا العظيم حتى بموظف بسيط انشق من سفارة في بلد من البلدان،
أوبمسؤول له علاقة بالنظام وأمنه قد تركه أو ابتعد عنه، ومن راودته نفسه بالخروج عن هذا النظام يحسب ألف حساب لما يمكن أن يصيب أهله وأولاده بل وعشيرته من بطش وأذى ....
لقد استطاع هذا النظام الفاجر خلال
عهد أبيهم المجرم الأكبر حافظ أن يستقطب أولاً طائفته العلوية إلى جانبه، فربط
مصيره بمصيرهم، وأشعرهم بأن وجوده من وجودهم، فسيطر من خلالهم على كل مفاصل الدولة
المهمة ......ومن خلال حزب البعث جمّع حوله كل المنتفعين والانتهازيين وأصحاب
المصالح والأهواء من كل الطوائف من سنة ودروز واسماعيلية، ومن كل الملل والنحل
مسلمين ومسيحيين....ومن كل الفئات علماء دين وتجار ومثقفين وعمال وفلاحين
...فسيطرعلى كل مؤسسات المجتمع المدني من
نقابات وجمعيات ومنظمات وسواها....فأَسِنت الحياه في بلدنا الحبيب بل وتعفنت...حتى
اختصر اسمها إلى سوريه الأسد،وهجرها أبناؤها وتوزعوا في أصقاع الأرض سعياً وراء حياة
حرة كريمة، ولقمة عيش شريفة. والأنكى من ذلك أنه أقام شبكة عجيبة من العلاقات
الإقليمية والدولية التى أظهرته بمظهر الدولة الحرة المسقلة، دولة الصمود والتصدي،
وهي في حقيقتها مجرد شعارات فارغة وكلمات جوفاء.
ويتطلع شعبنا العظيم إلى محيطه
العربي فيجد موقفاً عربياً رسمياً هزيلاُ، وقرارات ضعيفة خجولة تمد في عمر النظام،
ولاتساند شعبنا الثائر حتى بعد شهور من الصمت العميق، فينطبق عليه المثل "
تمخض الجبل فولد فأراً ".
ويدخل في معادلة الصراع مع هذا
النظام الدور الإيراني المذهبي الفارسي،الذي يدعم هذا النظام بلا قيد أو شرط سعياً
نحو تحقيق حلمه الكبير في السيطرة على المنطقة، وإقامة الهلال الشيعي الذي يمتد من
إيران إلى لبنان مروراً بسورية والعراق، وذلك دون أن نغفل الدعم المادي والمعنوي
لحكومة المالكي في العراق، وحزب الله في لبنان لتلك العصبة الفاجرة في سورية.
وفي الشمال تقف تركيا على استحياء،
تتقدم خطوات وتتراجع أخرى، وتحسب لكل خطوة تخطوها في دعم الثورة السورية ألف حساب.......
وفي الجنوب تقف إسرائيل ! وما أدراك
ما إسرائيل ؟ أسّ البلاء في المنطقة والولد المدلل لقوى الشرق والغرب ! تراقب المشهد
بقلق.... بل وتعلن تأييدها لهذا النظام الذي حمى حدودها أربعين عاما ! وتتسائل أين
تجد مثله مؤيداً وداعماً لحدودها الشمالية ؟؟ بل ويعلن أحد أركان هذا النظام وهو
رامي مخلوف " أن أمن سورية من أمن إسرائيل "......
وإذا خرجنا إلى المجتمع الدولي نجد
العجب العجاب ! فالانقسام كبير والدول الغربية تعلن مراراً وتكراراً ومنذ بداية
الثورة أنها لن تتدخل في سورية كما تدخلت في ليبيا، وما تقوم به لايعدو أن يكون
أقوالاً لاصدى لها في أرض الواقع، بل وحتى هذه الأقوال لانجد لها أثراً في
مجلس الأمن، ولو مجرد
إدانة بسيطة لأساليب النظام القمعية الهمجية، فقد استخدمت روسياوالصين حق الفيتو
لنقض هذا القرار......لقد وازن هذا النظام المجرم بين مصالح الشرق والغرب لكي يرضى
عنه الجميع، وأصبح نقطة تلاقي لمصالح إقليمية وعالمية ترى فيه ضمان أمن إسىرائيل و
استقرار المنطقة، كما وضع خياراته كلها في سلة المشروع الطائفي الفارسي،واستخدم
أساليب التهديد والبلطجة مع دول الجوار.......إنه كالحرباء يتلون دوماً بما يلائم
الموقف .....ولكن لونه الوحيد الذي لاتخطئه العين مهما تغير أو تبدل هو لون الدم
...لون الإرهاب الذي جعل من سورية مملكة الصمت التي لاتعرف سوى المدح والثناء لهذا
الطاغوت الذي تسلط على رقاب العباد والبلاد.....
لقد تُرِك الشعب السوري فريداً
وحيداً أمام هذا النظام المجرم، يفتك فيه قتلاً وتعذيباً وتهجيراً، فأضحى كاليتيم
في مأدبة اللئام .....وتتوجه القلوب إلى خالقها وبارئها : "مالنا غيرك يا الله....."
أين نصرك يارب ؟ من هؤلاء الذين
سخروا من الذات الإلهية، ودمروا المساجد وانتهكوا حرماتها، وداسوا المصاحف
بأقدامهم النجسة، أين تأييدك يارب لهذا الشعب المسكين الضعبف الذي انتهكت حرماته
كلها، الآباء والأبناء قتّلوا أوذبحوا أوشرّدوا ...... انتهكت أعراض النساء
...سلبت الأموال ....دمرت البيوت على رؤوس قاطنيها....
لقد تسائل قبلَ شعبنا السوري
العظيم من هو خير منه النبي وصحبه، يقول الله سبحانه في كتابه العزيز: { أم حسبتم أن
تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى
يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } (البقرة:214)
المسيرة طويلة ومع ذلك فشعبنا
العظيم ماضٍ في مسيرته ...لقد تحطمت جدران الصمت، ورفع الله الرعب والخوف من نفوس
أبنائه ...وكلما ازداد القتل والتدمير تيقن الشعب أكثر وأكثرأنه لامخرج لأرض
الآباء والأجداد، أرض الحضارات والقيم، أرض الشام الشريفة إلا بمتابعة المسيرة
مهما كانت التضحيات..............وتتسائل القلوب الجريحة والأجساد المنهكة من هول
ماترى : أما آن لهذا الليل أن ينجلي ؟؟!!! أما آن لنصر الله وتأييده أن يتنزل
عليهم؟؟
ويأتي الجواب حيث يقول سبحانه
وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) [ محمد : 7
] ويقول جلّ في علاه : ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) [ الحج : 40 ]
وتتالى آيات الله وأحاديث الرسول وتجارب البشر في كل زمان ومكان لتظهر أن لله في
خلقه شؤون، وأن له سنناً كونية ثابتة لاتتبدل ولا تتغير، وأن الله يطالب عباده المؤمنين
أفراداً وجماعات بأن يخلصوا النية لله أولاً {هيَ لله..} وأن ينصروا الله بالتزام
أوامره واجتناب نواهيه ثانياً، وأن يعقلوا الأمور ويأخذوا بالأسباب ثالثاً، ثم
يتوكلوا ويتركوها لرب الأرض والسماء فهو الذي يقضي بحكمته وعلمه وعدله مسار
الأحداث ونهاياتها وفق السنن التي بثها في خلقه........
إن المحن من سنن الله في خلقه، قال
تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ
* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } ."العنكبوت"
ثم أن استطالة المحن واستغراقها أحياناً لأزمنة طويلة
هوأيضاً من قدر الله ليميز الله الخبيث من الطيب، فالشدائد تفرز الناس وتخرج
المعدن الأصيل وتطهره من الخبث...كما أنها تزيل الغبش من العقول المخدوعة التي كانت
تساير الباطل ولم تنكشف لها حقيقته، فيتعرى أمامها فتنحاز إلى الحق ضده، فيكسب
الحق أنصاراً ويخسر الباطل أعوانه، قال تعالى في سورة الرعد : " أولم يروا أنا
نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ".
ثم أن المحن تفرز القيادة الصالحة الكفوءة التي تحمل العبء،
وتصبر على المخاطر، وتتخلى عن أنانيتها وحظوظ النفس، فيتقبلها الناس ويمضون وراءها
يضحون بالغالي والنفيس من أجل الهدف الكبير.....وبذلك يكون الجيل القادم أهلاً لحمل
الراية وتحمل الأمانة وسياسة الأمة .....
إن الثورة السورية بخير بإذن الله، والنصر قادم إن شاء الله
رغم المحن واآلام،لابد من آلام المخاض قبل الولادة، وتباشير النصر بارزة جلية
لاتخفى على قلب المؤمن الواثق بربه، ويمكن أن نجملها فيما يلي :
1- أحاديث الرسول الصحيحة في ارض الشام، وأنها أرض مباركة
بنصوص القرآن الكريم وأحاديثه ( صلى الله عليه وسلم ) الكثيرة وأهمهاعن عبد الله بن
حوالة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ستجدون أجنادا جندا بالشام وجندا بالعراق
وجندا باليمن
قال عبد الله : فقمت فقلت : خر لي يا رسول الله فقال : ( عليكم
بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غدره فإن الله عز وجل تكفل لي بالشام وأهله)
قال ربيعة : فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث يقول : ومن تكفل
الله به فلا ضيعة عليه .
2- هذه الثورة قدرٌ من أقدار الله
في أرض الشام، تتجلى فيها عناية الله بهذه الأرض وأهلها وأن الله يهيئها لملاحم
آخر الزمن، فبعد أن سيطر اليأس على قلوب أبنائها، وأيقنوا أنه لاسبيل لهم للخلاص
من هذا النظام المجرم، بعد أن أنشب أنيابه وغرز مخالبه في كل شبر من أرضها، وإذا
بهذا الشعب يولد من جديد كطائر العنقاء ينبعث من تحت الرماد، ولم يكن يدور بخلد
أحد أن هذه الثورة المباركة ستورق وتزهروتصل إلى ما وصلت إليه الآن....
إن هذا النظام المتوحش هو آخر قلاع
الحكم الجبري في العالم الإسلامي والعربي، بل هو أشدها وأقساها، وبانهياره ينفتح
الباب على مصراعيه لولادة عالم جديد فيه عز الإسلام كما أخبرنا
بذلك رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم- عن حذيفة بن اليمان ( تَكُونُ النُّبُوَّةُ
فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا،
ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ
أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا
عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ
الله ُأَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ
أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ
عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثم سَكَت).
3- إرهاصات الإنتصار تتالى وتظهر
واضحة في هذا الإصرار العجيب من شعبنا السوري العظيم في الاستمرار في مسيرة الكفاح
رغم الدماء والضحايا والدمار......كما تتجلى في انشقاق الشرفاء من أبنائنا من هذا
الجيش المجرم الفاجر، وتكوينهم للجيش السوري الحر الذي آل على نفسه معاهدا الله أن
يكون رأس الحربة التي تدافع عن الشعب المسالم وتقصم ظهر النظام الفاجر، كما أن
تشكيل المجلس الوطني من معظم أطراف المعارضة بكافة أطيافها يعتبر إنجازاً كبيرا بعد
تغييب قسري استمر لنصف قرن من الزمان،وهو إيذان ببداية تغيير حقيقي في مواقف الدول
من النظام السوري على المستوى الإقليمي والدولي.....
أيها الشعب السوري العظيم إنك منصور بإذن الله، والدماء
والشهداء والتضحيات هي طريقك بإذن الله إلى النصر المبين، قال تعالى: ( يأيها
الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). وقال تعالى: (حَتَّى
إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا
فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين).-
صدق الله العظيم-)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق