مركز الشرق العربي
بينما يتقدم الشباب السوري على طريق التضحيات
لبناء سورية الحديثة، مبشرين بمشروع النهوض الوطني والقومي، باذلين دماءهم في سبيل
رؤية وطنهم عزيزا، وأبناء شعبهم أحرارا، متمسكين بالديمقراطية خيارا وطنيا لقيادة المجتمع
السوري نحو الغد المأمول؛ يتأكد التوافق بين فرقاء من الرافضين للخيار الديمقراطي والمتخوفين
منه، ولكل أسبابه ودواعيه، فيستحضر كل فريق تعلاته وتفسيراته، ويستثير هؤلاء وهؤلاء
أنصارهم في الداخل والخارج، ويدعونهم إلى المزيد من الإغلاق على أبناء شعبنا، والتواطؤ
على انتهاك حقوقهم.
وليد المعلم يخوف العالم من الخيار الديمقراطي
في سورية بالتخويف من الإرهاب والتطرف، والتباكي على العلمانية التي وفرت المظلة الآمنة
للجميع!! عن أي علمانية يتحدث المعلم لسنا ندري؟! سبق لأحد الصحفيين العرب أن كتب من
الكويت: إن النظام السوري هو الوجه العلماني لتنظيم القاعدة. ولو أحب الإنسان أن يكشف
المستور أكثر فربما يجد من الشواهد ما تؤكد تماهي الوجهين في الموقف الواحد، ولاسيما
على الساحة العراقية، حيث هوجمت الكنائس المسيحية بالقرار السوري والأدوات الأخرى،
ليؤكد النظام للعالم على أهمية دوره الوظيفي الذي أسند إليه منذ عقود. هذا الدور المزعوم
يُهرع للدفاع عنه راع كنسي مرموق من لبنان مستنجدا بساركوزي، مخوفا هو الآخر من الديمقراطية،
ومدافعا عن قتلة الأطفال والمستبيحين للمساجد والكنائس والبيع على السواء.
وهكذا يتموضع النظام المستبد وحزبه القائد
ومجموعة المستفيدين منه على اختلاف انتماءاتهم في مقدمة الرافضين للخيار الديمقراطي،
مع رفعهم له واحتمائهم به. ويعللون رفضهم العملي الصريح المغلف بأوراق السولفان بأن
الشعب السوري لا يزال يحتاج إلى جيل آخر من الرعاية البعثية المرشدة على ما صرح به
رئيس النظام للصحيفة الأمريكية (وول ستريت جورنال) قبل اندلاع الثورة السورية بشهر
تقريبا، حيث أكد الرئيس أنه يستبعد تماما أن يصل الربيع العربي إلى سورية. كما يؤكد
هؤلاء مرة بخطاب مباشر وأخرى على ألسنة الأعوان والمستفيدين أن الشعب السوري قطيع من
الضباع لو وجدت حريتها لأكلت كل الخرفان في مراعيها...
إن من يتابع مشروع الإصلاح الذي تم الإعلان
عنه، والقوانين المقترحة للولوج إلى عالمه بما فيها قانون الأحزاب وقانون الإعلام والأرضية
العامة التي يتم تنفيذ الإصلاح المنشود عليها؛ يدرك تماما أن مفهوم بشار الأسد عن الديمقراطية
لم يتقدم أبدا عن مفهوم والده، وأن الأنموذج الذي يعيد تقديمه هو نفس الأنموذج الذي
اقترحه حافظ الأسد لها منذ أربعين عاما: أحزاب صورية لجبهة وطنية تقدمية، وإن بمسميات
جديدة، ومجلس شعب ينتخب فيه المواطن ممثله من دائرة مفتوحة من خلال القائمة التي سيتطوع
حزب البعث العربي الاشتراكي مشكورا في إعدادها. وهكذا تستعد ثلة من المعارضين السوريين
اليوم لملء الشواغر استباقا للفرصة وقطعا للطريق على دماء الشهداء.
وبعضهم يرفض الديمقراطية باسم الإسلام، وينضم
إلى هؤلاء في رفض الديمقراطية على الطرف الآخر من الحراك المجتمعي السوري بعض الرافضين
الإيديولوجيين الذين يرون في الديمقراطية خروجا على أمر الله، جل الله. فمنهم من يجادلك
طويلا في المصطلح واستيراده وتجاربه ومثقلاته. ومنهم من يجادلك في المفهوم والمضمون
والمقتضيات، ويضرب لك الأمثال عن المرجعية والحاكمية والمآلات؛ وينسى أولئك وهؤلاء
ألا مشاحة في المصطلحات كما قرر علماء الأمة في أسس المنهج منذ البدايات. كما ينسون
أن المنهج الرباني الذي يأبى أن يستكره الناس على أصل الدين لا يقبل أن يستكرههم على
فرعه. وأن المجتمع الديمقراطي هو المجتمع الحر المفتوح على التحديات التي تتطلب من
صاحب كل دعوة وفكرة أن يظل مستنفرا للدفاع عن أصلها وفرعها بالحوار والحجة حتي يتحول
المجتمع الديمقراطي إلى مجتمع مفكر غير مقلد، وهو المجتمع الذي طالما دعا إليه الإسلام.
يكفل المجتمع الديمقراطي لكل أصحاب الأفكار
أن ينشطوا وأن يعملوا، وأن يجدوا، وإذا كنا لا نقبل من صاحب سلطان ولو كان مثل المأمون
والمعتصم أن يفرض علينا عقيدة في خلق القرآن نأباها، فليس من حقنا أن نستعمل السلطة
نفسها لنفرض على الناس ما لا يقنعهم سواء على صعيد الفكر أو على صعيد السلوك، لأن القانون
في المجتمع الديمقراطي الحر سيكون معبرا عن رأي الأكثرية التي سيكون من حق الجميع أن
يتنافسوا على حوارها وإقناعها وكسبها..
يرى بعض هؤلاء أن السلطة هي أقرب طريق إلى
العقول والقلوب والسلوك!! ولكن لهؤلاء الذين يُكرهون على العقيدة أو العبادة اسم غير
محبب في مصطلح الإسلام، ولا نريد أن نرى أمثالا لهم في مجتمعاتنا. عرفنا بعض الشباب
الذين حملوا على الصلاة فصلوا بغير وضوء، ورأينا نساء أكرهن على الحجاب فخلعنه بمجرد
أن جلسن على كرسي الطائرة..
ودكتاتورية الأكثرية مدخل آخر مريب:
وعلى ضفاف قطبي الاستبداد السلطوي والإيديولوجي
تتناثر أصوات المتخوفين من الديمقراطية من يمين ويسار، ويستحضر كل فريق عناوينه ومصطلحاته.
فيستخدمون، طرائق النظام المستبد تماما، وكل مصطلحات الحروب الفكرية العالمية في الهجوم
على مخالفيهم، فيصفون هؤلاء المخالفين بأنهم إرهابيون وأصوليون ومتطرفون ومتشددون،
ويستحضر هؤلاء المراوغون بعض تجاربهم الشريرة في العراق أو في لبنان أو بعض ما تسببوا
به في مصر للتخويف من (الفوضى) و(المجهول) اللذين يصرون أن يقدموهما بديلا لليل الاستبداد.
ويتفنن البعض ببلاغة شعرية ليتحدث عن (دكتاتورية
الأكثرية) للدفاع عن (دكتاتورية الأقلية)، ويستنفر قوى العالم للدفاع عنها. فبعض الذين
ينصبون أنفسهم مدافعين عن الأقليات أو متخوفين على مستقبلها يفكرون بطريقة استعلائية
عنصرية مريبة ترى أن الاحتياط من خوف متوقع على العشرة يبيح هدر دماء التسعين، وانتهاك
حرماتهم، والعدوان على حقوقهم. إنهم يعيدوننا إلى مفارقة قتل الفرد وقتل الشعب. قتل
الفرد ولو كان متوقعا هو الجريمة التي لا تغتفر، وقتل الشعب السوري الذي استمر طوال
أربعة عقود هو القضية التي فيها نظر. أليس هذا ما جهر به بعضهم في حضرة الرئيس ساركوزي!!!
وينسى هؤلاء أو يتناسون أن هذه الأكثرية قد
صانتهم وحفظتهم، وهذا ليس منة، في مسيرة تاريخية عمرها قرون طويلة وأن أسلاف نظرائهم
في العالم الذي يعتزون بترداد شعاراته لم تبق منهم باقية. ساعدني على العثور على بقايا
مسلم أو عربي من أهل غرناطة ليتضح لك المقصود..
كما ينسى هؤلاء أن الطبيعة السيوسولوجية لمجتمعات
الأكثرية تحول بينها دائما وبين الانغلاق بحيث تكون كتلة مصمتة بينما مثل هذا التحزب
أقرب منالا في تجمعات الأقليات، وإن كانت ثقافة القرن الذي نعيش تجعل من الصعب أن تنغلق
الجماعات البشرية على نفسها على أسس ولاءات تاريخية أو ثقافية. وهذا الذي تعمل عليه
كل النخب التي تدعو إلى المجتمعات الحرة في بناء الدولة الحديثة.
الحديث عن دكتاتورية الأكثرية هو محاولة فئة
أخرى للتخويف من الديمقراطية أو رفضها بالتخويف من عفريت بلاغي ليس أقل هلامية من الحديث
عن الإرهاب والتطرف والتشدد في مجتمع مثل مجتمعنا السوري كان في تاريخه القديم والحديث
مثالا للوسطية والاعتدال.
كل الذين يخوفون من الديمقراطية أو يتخوفون
منها هم على الحقيقة شركاء في الاستبداد أو مستفيدون منه. وإذا كان لأحد في هذا الوطن
أن يشير إلى تخوفات مستقبلية فهم هذه الشريحة من ضحايا هذا الاستبداد على المستويات
العقائدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد دفعنا نحن أبناء هذا الجيل من السوريين
وآباءنا وأمهاتنا ونساءنا وأطفالنا الذين أصبحوا رجالا وأصبح لديهم أطفال ضريبة مخاوف
المتخوفين وهواجس الموسوسين...
ولكي نعبر إلى الغد بثقة علينا أن نستحضر جميعا
أن ظلم طبقة المستبدين هؤلاء كانت عابرة للأديان والمذاهب والأعراق. وعلينا أن نكف
عن ترداد حكايات محاكم التفتيش في تجلياتها التاريخية والمعاصرة. محاكم التفتيش كان
ضحاياها لمن لا يعلم مخالفين من المسيحيين واليهود والمسلمين على السواء. وكان حصادها
كحصاد نظام البعث: عقلا مقموعا وكتابا ممنوعا وإنسانا مضطهدا مسروقا.
وحين نبشر بمجتمع الغد الذي نأمل ونحلم علينا
أن نتعلق بأفق الفاروق عمر يقول للمصري: خذ الدرة واضرب ابن الأكرمين!! ونتناسى دون
نسيان: قبية ودير ياسين وعناقيد الغضب وذبحا أصابنا في حماة وجسر الشغور وحلب وتدمر
وصبرا وشاتيلا أيضا... نبعد كل هذا عن وسادة نومنا ونحلم بالفجر والزهر والربيع. لنصبح
على جد وعمل وعزيمة وحب وسلام. لنحلم بوطن كل أبنائه وبناته أيضا من الأكرمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق