بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه )
[البقرة 130]، وقال تعالى واصفاً إبراهيم عليه السلام: (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ
مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)) [الأنعام].
وقال تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا
شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ
بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ
(160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ
أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)))
[الأنعام].
حدد إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم
الملة الحقيقة التي أمرهم بها الله كما أمر سائر الأنبياء ألا وهي صرف الحياة بكل
أشكالها لله عز وجل وإخلاص التوجه إليه لا لأحد سواه فقال تعالى (وما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات 56].
وإذا أخضع الإنسان أعماله لله وابتغى بها وجه الله تكون
كلها عبادة ، ومن أبرز أعمال الإنسان الكلام الذي يلقيه فلا يكاد الإنسان يكف عن
الكلام إلا قليلا.
وكثير من الناس يظن الأمر هيناً وكم من كلمة أودت بأصحابها
إلى النار قال تعالى (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا
نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ ))[التوبة:65]
إنها كلمة قالها رجل يقال أنه (وديعة بن ثابت) قال عن بعض
المسلمين [ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ، أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عن
اللقاء] فقال عوف بن مالك كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذهب عوف ليخبره فوجد القرآن قد سبقه بالآيات ((لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ))[التوبة:66]
وقال
تعالى ((يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ
وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ))[التوبة:74]
تلك كلمة كما ينقل الطبري عن هشام بن عروة عن أبيه قال:
نزلت في الجلاس ابن سويد ابن الصامت قال (إن كان ما جاء به محمد حق لنحن أشر من
الحمر) فقال له ابن امرأته: والله يا عدو الله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بما قلت ، فإني أن لا أفعل أخاف أن تصيبني قارعة وأؤاخذ بخطيئتك ، قال: فأتيت
النبي صلى الله عليه وسلم وخشيت أن ينزل في القرآن أو تصيبني قارعة أو أن أخلط
بخطيئته ، قلت يا رسول الله أقبلت أنا والجلاس من قباء ، فقال كذا وكذا ، ولو لا
مخافة أن أخلط بخطيئته أو تصيبني قارعة ما أخبرتك، قال: فدعا الجلاس فقال له: يا
جلاس أقلت الذي قال؟ قال: فحلف. فأنزل الله تبارك وتعالى (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا
بَعْدَ إِسْلامِهِمْ)
هذا الفتى اليتيم في حجر الجلاس استشعر عظمة وهول الكلمة
فخاف أن تنزل قارعة على قائلها فتصيبه لأنه يمشي معه.
وصحفنا اليوم تتباهى بالهجوم على
الإسلام ونبي الإسلام في ديار الإسلام وتحت سمع وبصر حكام المسلمين وأجهزة أمنهم
ورقابتهم الإعلامية ولئن اعتذر أجدادهم بالقول (إنما كنا نخوض ونلعب) فهؤلاء لا
يعتذرون بل يصرحون بأنهم يعنون ما يقولون.
إن الكلمة من الخطورة والأهمية بمكان ولقد وصفها الله تعالى
فقال ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي
السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ
حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ
مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26))) [إبراهيم].
ولقد روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها الدرجات
وإن العبد ليتكلم الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم)
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن
العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبد الله
بن مسعود وسعد بن أبي وقاص (…ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم)
وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا
أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه قلت بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر
الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد . ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت
بلى يا نبي الله ، فأخذ بلسانه قال كف عليك هذا فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون
بما نتكلم به فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على
مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) قال
أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
إنها مسؤولية الكلمة، والتي توكل بها الإعلام اليوم ، وكل
إعلام له رسالة يخدم بها ربه ؛ فإعلام الطواغيت الذين اتخذوا حكامهم أرباباً من
دون الله . لهم رسالة هي تقديس ذلك الحاكم وتأليهه وشرح طقوس عبادته وما هي علائم
صحة هذه العبادة وما هي نواقضها ..الخ ومن مهمات الإعلام الطاغوتي الذب عن الطاغوت
، والدعوة إلى مبادئه وأهدافه ودينه من إحلال للربا ونشر للموبقات وفرض للمكوس
وتحريم للحلال وتحليل للحرام والهجوم على الحق ومساندة للباطل ومعاداة للمسلمين
وموالاة للكافرين ، فكم شتم الله والرسول والإسلام في الصحافة التي تصدر في ديار الإسلام
وغيرها ، ولم يحرك ساكناً؛ وأن نصح ناصح أو اعترض معترض هب الإعلام الطاغوتي ليبكي
على حرية الكلمة وحرية التعبير وحرية الرأي وكأن هذه الحريات هي حق للكفار فقط وإن
تكلم المسلمون عن آفات المجتمع وانتشار الملاهي والرذيلة وتشجيع الحكام للكفر وما
يتعلق به يشرد بهم ويلقون في غياهب السجون
أو في قاع القبور.
وأخطر كلام يلقى على
الناس هو كلام العلماء إن كانوا علماء على الحقيقة أو عملاء تلبسوا لبوس العلماء
لأن مثل هذا الكلام يحمل على أنه فتوى وعلى أنه دين ولقد نبه الإمام ابن القيم على
خطورة هذه المسألة فألف كتابه الشهير (إعلام الموقعين عن رب العالمين) فالفتوى
توقيع عن الله عز وجل .
قال الإمام ابن القيم:[
فصـل ما يشترط فيمن يوقع عن الله ورسوله: ولما كان التبليغُ عن الله سبحانه
يعتمد العلم بما يبلغ، والصدقَ فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفُتْيَا
إلا لمن اتصف بالعلم والصدق؛ فيكون عالماً بما يبلغ، صادقاً فيه، ويكون مع ذلك
حَسَنَ الطريقةِ، مرضِيَّ السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية
في مدخله ومخرجه وأحواله؛ وإذا كان مَنْصِبُ التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا
يُنْكَر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن
رب الأرض والسموات؟
فحقيق بمن أقِيمَ في هذا المنصب أن يُعِدَّ له عُدَّته، وأن
يتأهب له أُهْبَتَه، وأن يعلم قَدْرَ المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج
من قول الحق والصَّدْع به؛ فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي
تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تعالى: { وَيَسْتَفْتُونَكَ
فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} وكفى بما
تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالة؛ إذ يقول في كتابه: {يستفتونك قل الله يفتيكم
في الكَلاَلَة}، وليعلم المفتِى عمن ينوب في فَتْوَاه، ولْيُوقِنْ أنه مسؤول غداً
ومَوْقُوف بين يدي الله.].
تغيير الفتوى من أجل الطواغيت!
وقال شيخ الإسلام _ ابن تيمية - رحمه الله:[ والرسول هو
الواسطة والسفير بينهم وبين الله عز وجل فهو الذي يبلغهم أمر الله ونهيه ووعده
ووعيده وتحليله وتحريمه فالحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله
والدين ما شرعه الله ورسوله وليس لأحد أن يخرج عن شيء مما شرعه الرسول وهو الشرع
الذي يجب على ولاة الأمر إلزام الناس به ويجب على المجاهدين الجهاد عليه ويجب على
كل واحد إتباعه ونصره وليس المراد بالشرع اللازم لجميع الخلق حكم الحاكم ولو كان
الحاكم أفضل أهل زمانه بل حكم الحاكم العالم العادل يلزم قوما معينين تحاكموا إليه
في قضية معينة لا يلزم جميع الخلق ولا يجب على عالم من علماء المسلمين أن يقلد
حاكما لا في قليل ولا في كثير إذا كان قد عرف ما أمر الله به ورسوله بل لا يجب على
آحاد العامة تقليد الحاكم في شيء بل له أن يستفتى من يجوز له استفتاؤه وإن لم يكن
حاكما ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله واتبع حكم الحاكم
المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة قال
تعالى ) المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ
إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ
(2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3) ( ولو ضرب وحبس و أوذي
بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذي يجب إتباعه واتبع حكم غيره كان
مستحقا لعذاب الله بل عليه أن يصبر وإن أوذي في الله فهذه سنة الله في الأنبياء
وأتباعهم قال الله تعالى:)
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ
اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ( وقال تعالى: ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ
وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ( وقال تعالى: )
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ
مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ
وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ
أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ( وهذا إذا كان الحاكم قد حكم في مسألة اجتهادية قد تنازع فيها
الصحابة والتابعون فحكم الحاكم بقول بعضهم وعند بعضهم سنة لرسول الله صلى الله
عليه وسلم تخالف ما حكم به فعلى هذا أن يتبع ما علم من سنة رسول الله ويأمر بذلك
ويفتى به ويدعو إليه ولا يقلد الحاكم هذا كله باتفاق المسلمين وإن ترك المسلم
عالما كان أو غير عالم ما علم من أمر الله ورسوله لقول غيره كان مستحقا للعذاب قال
تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وإن كان
ذلك الحاكم قد خفي عليه هذا النص مثل كثير من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة
وغيرهم تكلموا في مسائل باجتهادهم وكان في ذلك سنة لرسول الله تخالف اجتهادهم فهم
معذورون لكونهم اجتهدوا ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولكن من علم سنة رسول
الله لم يجز له أن يعدل عن السنة إلى غيرها قال تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا
قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل
ضلالا مبينا ومن اتبع ما بعث الله به رسوله كان مهديا منصورا بنصرة الله في الدنيا
والآخرة كما قال تعالى: إنا لننصر رسلنا
والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد وقال تعالى ولقد سبقت كلمتنا
لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون.].
وقال الإمام ابن القيم:عن العلماء الذين يسايرون الحكام
الظلمة [ومنهم أشباه الذئاب ومنهم أشباه
الثعالب التي يروغ كروغانها وقد شبه الله تعالى أهل الجهل والغي بالحمر تارة
وبالكلب تارة وبالأنعام تارة وتقوي هذه المشابهة باطنا حتى تظهر في الصورة الظاهرة
ظهورا خفيا يراه المتفرسون ويظهر في الأعمال ظهورا يراه كل أحد ولا يزال يقوي حتى
تعلو الصورة فنقلب له الصورة بإذن الله وهو المسخ التام فيقلب الله سبحانه وتعالى
الصورة الظاهرة على صورة ذلك الحيوان كما فعل باليهود وأشباههم ويفعل بقوم من هذه
الأمة ويمسخهم قردة وخنازير فسبحان الله كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر وقلب
ممسوخ وقلب مخسوف به وكم من مفتون بثناء الناس عليه ومغرور بستر الله عليه ومستدرج
بنعم الله عليه وكل هذه عقوبات وإهانة ويظن الجاهل أنها كرامة ومنها مكر الله
بالماكر ومخادعته للمخادع واستهزاؤه بالمستهزئ وإزاغته لقلب الزائغ عن الحق ومنها
نكس القلب حتى يرى الباطل حقا والحق باطلا والمعروف منكرا والمنكر معروفا ويفسد
ويرى أنه يصلح ويصد عن سبيل الله وهو يرى أنه يدعى إليها ويشتري الضلالة بالهدى
وهو يرى أنه على الهدى ويتبع هواه وهو يزعم أنه مطيع لمولاه وكل هذا من عقوبات
الذنوب الجارية علي القلوب ومنها حجاب القلب عن الرب في الدنيا والحجاب الأكبر يوم
القيامة كما قال تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فمنعتهم الذنوب أن يقطعوا
المسافة بينهم وبين قلوبهم فيصلوا إليها فيروا ما يصلحها ويزكيها وما يفسدها
ويشقيها وإن يقطعوا المسافة بين قلوبهم وبين ربهم فتصل القلوب إليه فتفوز بقربه
وكرامته وتقر به عينا وتطيب به نفسا بل كانت الذنوب حجابا بينهم وبين قلوبهم
وحجابا بينهم وبين ربهم وخالقهم ومنها المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب
في الآخرة قال تعالي ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى
وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر ولا ريب أنه من المعيشة الضنك والآية تتناول ما
هو أعم منه وإن كانت نكرة في سياق الإثبات فإن عمومها من حيث المعنى فإنه سبحانه
رتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه
وإن تنعم في الدنيا بأصناف النعم ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات التي يقطع
القلوب والأماني الباطلة والعذاب الحاضر ما فيه وإنما تواريه عند سكرات الشهوات
والعشق وحب الدنيا والرياسة إن لم ينضم إلى ذلك سكر الخمر فسكر هذه الأمور أعظم من
سكر الخمر فإنه يفيق صاحبه ويصحوا وسكر الهوى وحب الدنيا لا يصحوا صاحبه إلا إذا
سكر في عسكر الأموات فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على
رسوله صلى الله عليه وسلم في دنياه وفي البرزخ ويوم معاده ].
لا تكونوا جنوداً لإبليس
ونود أن نقول لموظفي آل أسد مثل البوطي وحسون والسيد ومن لف
لفهم إذا لم تستطيعوا أن تكونوا جنوداً لله فلا تكونوا جنوداً لإبليس, وإذا لا
تستطيعون أن تقولوا الحق فلا تقولوا الباطل, وإذا لم تسمحوا للمَلَك أن ينطق على
ألسنتكم فلا تمكنوا الشيطان منها يرتع هناك حيث يشاء. ونحن نذكركم بقول الله تعالى:((
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ
ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ))[آل عمران:187]
وبأقوال العلماء: [فعن مكحول عن كعب أن لقمان قال لابنه يا
بني كن أخرساً عاقلا ولا تكن نطوقا جاهلا ولأن يسيل لعابك على صدرك وأنت كاف
اللسان عما لا يعنيك أجمل بك وأحسن من أن تجلس إلى قوم فتنطق بما لا يعنيك ولكل
عمل دليل ودليل العقل التفكر ودليل التفكر الصمت ولكل شيء مطية ومطية العقل
التواضع وكفى بك جهلا أن تنهى عما تركب وكفى بك عقلا أن يسلم الناس من شرك].
يقول الإمام ابن القيم في وصف إبليس وتعليماته لجنوده: [ فصل
ثم يقول قوموا على ثغر اللسان, فإنه الثغر الأعظم, وهو قبالة الملك, فأجروا عليه
من الكلام ما يضره ولا ينفعه, وامنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه: من ذكر الله,
واستغفاره, وتلاوة كتابه, ونصيحته عباده, والتكلم بالعلم النافع, ويكون لكم في هذا
الثغر أمران عظيمان, لا تبالون بأيهما ظفرتم:
أحدهما التكلم
بالباطل, فإنما المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن أكبر جندكم وأعوانكم.
الثاني: السكوت عن الحق, فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس,
كما أن الأول أخ ناطق وربما كان الأخ الثاني أنفع أخويكم لكم أما سمعتم قول الناصح:
(المتكلم بالباطل شيطان ناطق, والساكت عن الحق شيطان أخرس)؟
فالرباط الرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق أو يمسك عن باطل,
وزينوا له التكلم بالباطل بكل طريق, وخوفوه من التكلم بالحق بكل طريق.
واعلموا يا بني أن
ثغر اللسان هو الذي أهلك منه بني آدم, وأكبهم منه على مناخرهم في النار, فكم لي من
قتيل وأسير وجريح أخذته من هذا الثغر؟
وأوصيكم بوصية
فاحفظوها لينطق أحدكم على لسان أخيه من الإنس بالكلمة ويكون الآخر على لسان السامع,
فينطق باستحسانها وتعظيمها والتعجب منها, ويطلب من أخيه إعادتها, وكونوا أعوانا
على الإنس بكل طريق, وادخلوا عليهم من كل باب, واقعدوا لهم كل مرصد,أما سمعتم قسمي
الذي أقسمت به لربهم حيث قلت: )
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ
الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ
وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق