وصول رجب طيب أرودوغان مع حزب العدالة والتنمية التركي ذو الجذور الاسلامية
لقيادة الحكومة في دولة تقبع تحت أكثر العلمانيات تشدداً ، في فترة ظالمة وكالحة
من تاريخ الدول العربية التي كانت تئن تحت
ضيم أكثر الأنظمة ديكتاتورية وظلماً، جعل كل تلك الشعوب العربية- التي بلغ اليأس
منها ما بلغ- تتمنى وتحلم أن يحكمها رجل مثل أردوغان لما حققه لشعبه من نجاحات على
كل المستويات أهمها الاقتصادية والخدمي والاستقرار السياسي .
جاءت ثورات الربيع العربي لتوقظ هذا الحلم وتجدد هذا الأمل مع أنكشاف
الغطاء عن جواهر ومعادن من الرجال، كانت مغمورة ومحرومة ومهمشة، بل ومحاربة من كل
القوى الأمنية والقمعية، التي تحارب وتخشى من كل رجل يحمل حلماً بالتحرر ويملك
هدفاً ومشروعا للتغيير والانعتاق، بل وتحارب كل نزيه وشريف وحريص على مصلحة البلد
، وكل صاحب يد نظيفة، كي لا يتحول لمحاربتها في يوم من الأيام .
الأمثلة كثيرة وعديدة ولكن المستشار مصطفى عبد الجليل الذي سجد لله شكراً
على النصر والتحرر كان هو أول من لفت
الأنظار وجلب الانتباه للقاصي والداني ، هذا الرجل الذي عمل في نظام القذافي
البائد وعرف كيف يحافظ على سمعته ونظافة يده ليحترمه كل أبناء الشعب الليبي ويتسلم
قيادة المجلس الوطني الأنتقالي بدون خلاف ومنازعة ومنافسة،استطاع أيضاً أن يكون
مثالاً ونموذجاً حياً لقيادة الثورة والمرحلة الحرجة الانتقالية بنجاح وثبات ورؤية
واضحة ولأول مرة في تاريخ الدول العربية المعاصرة.فهل يكون عبدالجليل
أردوغان العرب ويقود بلاده الغنية بالنفط للتقدم والازدهار الاقتصادي والاستقرار
السياسي والسلم الاجتماعي؟؟
علامات كثيرة ودلائل واضحة ومبشرات جليلة يحملها ويتحلى بها هذا الرجل
-الذي يحبه المرء عن بعد- تجعلني مفعماً بالأمل والطموح والتفاؤل، بأنه يحمل بذرة
صالحة ونبتة طيبة، ثابت أصلها وفرعها في
السماء.
أهم هذه الصفات المشتركة مع أردوغان هي وضوح الهدف والوسيلة عند الاثنين مع
أختلاف التعبير وطبيعة المناخ وعوائق الطريق ومطباته والقدرة والمرونة على بناء
الطاقم الاداري لسير العمل.
التجربة الادارية والسياسية التي اكتسبها المستشار عبدالجليل جعلته يملك
القدرة على التعامل مع كل أطياف المعارضة وأفرادها بصدر رحب واسع، بعيداً عن
الإقصاء وروح الاجتثاث والانتقام والتهميش،هذه الميزة بجانب الهدوء والوقار
والسكينة، مكنته من العمل بصمت وبعيداً عن بريق الاعلام، للتواصل مع من ظل يعمل
خفية في أعمدة النظام من ممثلين بالخارج أو متخفين في الداخل ليساهموا كلهم في
تعجيل الحسم واعلان النصر.
الجرأة في القول والقدرة على بناء الطاقم العامل الذي يخدم الثورة كانت
مؤشرات إيجابية تحسب له، لقد قال وبدون تردد أن من سيدير الفترة الانتقالية هم
الأكفاء ولو كانوا كلهم من مدينة واحدة.
هذا الكلام القوي الذي يجلب النقد والاحتجاج والامتعاض من الكثيرين ، لا
يقوله في أحرج اللحظات مفصلية إلا من يملك الثقة بالله ومن ثم بنفسه وبصحة ما يقوله،
ودليل واضح على وعيه لما يصرح به وإستعداده لتحمل عواقبه بعيدا عن المحاباة
والمراضاة والمداهنة على حساب الثورة
والوطن.
إدارته الناجحة لأدق مراحل الثورة وثباته على المواقف الواضحة من طلب التدخل
الخارجي وقبول مساعدة الناتو بجانب موقفه من مقتل الوزير عبدالفتاح يونس ،وقدرته
على وئد الفتنة ولم الشمل والتوفيق بين الجميع ، وتتويج ذلك بخطاب تاريخي لا مثيل
له، معتدل وشجاع وغير مداهن بنفس الوقت ،جعله الرجل الاول المرشح لقيادة المرحلة
القادمة بحق وجداره .
لقد أوضح أن الدولة القادمة هي مدنية ديمقراطية وهي دولة القانون والعدل
والمساواة ،لكنه لم يتوانى ولم يخجل من الصدح بأن القوانين ستكون مستمدة من
الشريعة الاسلامية وكل قانون وتشريع يخالفها سيرمى به في مزبلة التاريخ وأوله منع
التعدد.
تواضعه واستعداده للتخلي عن المنصب والواجهة في أي لحظة مؤشر على بعده
الوطني وعمق الإيثار والتضحية من أجل منفعة البلد والشعب.
نقاء الثقافة العربية النابعة من الاسلام وصدق الإلتزام الديني والترابط
العائلي الوثيق رغم محاولات النظام البائد مثل كل الانظمة العربية في إفساد
العقيدة والتدين ،بجانب وجود البترول كلها عوامل إيجابية تمنح ليبيا والمستشار عبد الجليل إمكانية القفز
بخطوات سريعة للوصول للدولة المدنية التي تُومّن العدل والرخاء والتقدم في كل
المجالات، على عكس ما عانته تركيا بقيادة أردوغان من محاصرة علمانية وفكرية،
وافتقاد للذهب الأسود التي عانت منها في مسيرتها الديمقراطية والاقتصادية
والعمرانية.
ورغم كل هذه الإيجابيات فالطريق ليس مفروش بالورد وخال من الأشواك و
الأخطار والمطبات التي على ليبيا ومستشارها الحذر من الوقوع والتعثر بها.
أهم هذه المخاطر هو الخلاف بين الثوار المجاهدين الذين يحملون السلاح
والسياسيين والمعارضة على كافة أطيافها وتوجهاتها،جمع السلاح وفصل الجيش عن
السياسة وبناء الدولة أهم وأخطر عقبة ومهمة تنتظر القيادة القادمة.
الانتماء العشائري والتعصب الجغرافي المحلي للمناطق ظاهرة يجب وأدها في
مهدها لأن تنامي وتعاظم هذه الانتماءات والولاءات الضيقة يحرم البلد من الاستقرار
و التقدم والازدهار.
التشدد الفكري والتعصب الديني والاستعجال في التطبيق الفوري بدون توعية
المجتمع وتثقيفة ربما يجلب ردة فعل ومقاومة لا يحمد عقباها.
بعض ملامح وإشارات هذه المخاطر بدت تطفو على السطح لمن يتابع بشكل دقيق
ويمحص الكلمات التي بين السطور وبعض التصرفات .
كل الأمل والتمني أن تكون هذه المخاطر مجرد زوبعات لا تنال من مسيرة الحرية
والعدالة في عهد ليبيا الجديد ولا تحول دون التقدم نحو الأمن والأمان والمستقبل
والمشرق.
قبل ستة أشهر تقريبا عندما كانت قوات النظامين في سورية وليبيا تدك درعا
ومصراتة والزنتان بنيران دباباتها وتحاصرهما بالمرتزقة والشبيحة وتمنع الماء
والدواء وحليب الأطفال عن أهاليهما كان أردوغان يشرح برنامجه الانتخابي ومشاريعه
الجنونية لنيل وكسب ثقة الناخب التركي وتأييده...يومها كتبت مقال (جنون أردوغان وجنون الحكام العرب) ورأيت كيف
شغفت به كل شرائح المجتمعات العربية بمختلف أطيافها وانتماءاتها ... يومها تمنى
الكثير من القراء أن يمنحهم الله مثل هذا الأردوغان وهذا الجنون...
يومها تساءلت هل يأت يوم يصاب حكامنا بجنون مثل جنون أردوغان؟؟
واليوم حيث الفرحة والشعور بالعزة والكرامة والنشوة تخيم على كل جوارحي ، أتساءل بعد كل
هذه البشائر هل يأتي يوم يتمنى الأتراك أن يكون عندهم مثل عبدالجليل..؟؟
هل هذا خيال يصعب تصوره .؟ ؟ أم أن
هذا اليوم أصبح قريباً جداً؟؟
د.مصطفى الحاج حامد
طبيب وكاتب
drmh2009@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق