بدايةً كناقد
وكاتب عن الثورة والمعارضة ، أجد حاجة ماسة لتوضيح حالة مهمة يمتعض البعض منها،
لايرتاحون لها، ويجدون حرجاً في صدورهم من صعوبة في تقبلها، وهي حالة النقد و الكتابة عن سلبيات وأخطاء المعارضة ، يظنون
النقد والكتابة هي كشف للاسرار أو نشر للغسيل أو تشهيراً وتفريقاً للصفوف، هذه
الحالة التي سأوليها لاحقاً مقالاً خاصاً، لكن
أريد التذكير أننا في عصر العولمة و انتشار المعلومة والتواصل المباشر، فنحن
اليوم في قرية صغيرة والعالم يتغير في كل يوم ولحظة، والناس لم تعد تقبل وتتقبل
السرية وتريد معرفة حتى ما يدور وراء الكواليس.
مرحلة جديدة علينا أن نتقبلها وعلى من يريد أن يتصدر أي
موقع عليه تقبلها والتعايش معها، بل ويجب عليه طلب النقد والتوجيه من الآخرين
بالكلام والكتابة على الاقل ، وليس التقويم بحد السيف كما حمد الله عليه فاروقنا
عمر.
فالنقد توضيح للاخطاء وتوجيه للخلل ، وتسديد للخطى
وتحذير من الوقوع في الأخطاء، هو
نصح ودعم طالما ابتعد عن الاتهام والتخوين، وإضعاف النفوس وشق الصفوف.
لا أظن أن أحداً ينكر الحاجة الماسة والملحة لتشكيل تكتل
أو مجلس أو إطار يجمع أغلبية أطياف المعارضة على الأقل ، إن لم يستطع جمعها كلها
في بوتقة واحدة ، خاصة في هذه المرحلة المفصلية والحرجة من الثورة السورية .
وكل من يلم بقليل من السياسة وعلم الاجتماع يعرف صعوبة، بل استحالة جمع الناس على قلب واحد
ومنهج واحد رغم الهدف المعروف والمتفق عليه لدى الجميع وهو إسقاط النظام وبناء سورية
المستقبل على أسس مدنية تحفظ حقوق المواطنة المتساوية للجميع .
إستحالة الرجوع إلى صناديق الاقتراع لتكون الحكم الفصل
والمقبول لدى كل من يقبل بالديمقرطية، وعدم وجود طريقة ترضي الجميع ، جعل اختيار
أعضاء المجلس يعتمد على طرق ومعايير هي محل إنتقادات وإعتراضات لدى بعض أفراد المعارضة ، وبغض النظر عن ثقل هذه
الأصوات وتمثيلها في الشارع السوري، وبغض النظر عن دوافع هذه الاعتراضات
والانتقدات شخصية ومنفعية كانت أم وطنية ومخلصة، لكنها موجودة ومطروحة في الشارع
والإعلام وبين الثوار وصفحات التنسيقيات، وتحتاج لأجوبة مقنعة وتوضيحات كافية
وافية، وليس تجاهلها وتجاوزها ودفن الرأس بالتراب بل الاجابة عنها ودحضها، فالعلة
تكون في صحة ما ينتقد ويعترض عليه وليس من يقوم بالأعتراض والنقد.
كثير من المعترضين ينصب تركيزه على كثرة الأعضاء التي
جعلت الكثير يشعر بأحقيته هو الآخر في التواجد في المجلس طالما هناك الكثيرون ممن
لا يفضلونه بشيئ حسب رأيه وقناعاته.
وهذا دفع الكثيرون للإقتناع بنظرية أن المحسوبية والإنتقائية والعلاقات الشخصية
والمحصاصة والبروز الإعلامي هي المعايير
التي كانت أكثر تأثيراً من المقاييس الأخرى التي تقول اللجنة التحضيرية أنها
إعتمدتها في الإختيار من التمثيل والكفائات والخبرات والشهادات والقبول الجماهيري
والمشاركة بالثورة.
التسابق المحموم للحصول على مقعد في المجلس جعل كثير من
الناس تفكر بأن هناك كعكة يراد تقسيمها ومصالح ومراكز سيتم توزيعها ، وأن المشاركة
هي ليست لنصرة الثورة وخدمتها بل لأمور كثيرة غير ذلك.
وأن هذا المجلس هو مجلس مغنم وليس مغرم،وأن هذا المجلس
خطوة أولى لمراكز أهم وأعلى.من هنا كان على المجلس رفع الشبهة وإيضاح الصورة بدون
لبس ،وطمأنة الداخل والخارج عن دور المجلس ومسؤولياته وحدود صلاحياته.
ومن هنا أيضاً يقع العبئ الأكبر على قيادة هذا المجلس في
تأجيج هذه الانتقادات والاعتراضات أو تخفيفها وأمتصاصها وأحتوائها.
المرحلة الحالية لا تحتمل الانتظار فترة اكثر لكي نصل
لطريقة ومعايير ترضي الجميع في اختيار المجلس، وهاهو المجلس قد تم تشكيله ورغم كل
الانتقادات والاعتراضات -محقة اوغير محقة-فالواجب اليوم يملي على
الجميع أن يكون صفاً واحداً في
خندق الثورة ووحدة المصير.
هناك مسؤوليات وواجبات على المجلس القيام بها وهناك
واجبات ومسؤوليات على باقي الشعب السوري عليه هو الآخر النهوض بها.
على المجلس أن يكون واضحا في أطروحاته وخطواته وعلى
البقية التأييد والدعم وتقديم السند له.
إحتكار المعارضة والاقتصار على اعضاء المجلس والتعالي
وتهميش من لم يدخل المجلس هو المقتل للمجلس قبل أن يتمكن من اسقاط النظام.
والنقد السلبي بدون التفاعل والمشاركة والبحث عن بديل
للمجلس هو طعنه من الخلف من قبل الشرائح والاطياف الاخرى.
على المجلس تشكيل آليات للتفاعل مع كل الاطياف الاخرى
السياسية منها والمهنية منها ،النقابات والجاليات وغيرها من تكتلات ،عليه التشاور
والتناصح وتوضيح الشبهات بدل من أن يتهم كل ناقد بأنه يتصرف لدوافعه الشخصية
الذاتية ولعدم تمكنه من دخول المجلس.تلك الذريعة التي يتسلح بها من لا يجيد
التواصل مع الناس ولا يعرف الجواب المطلوب ويتهرب من الامر كالنعامة بدفن راسه
بالتراب.
على المجلس أن يدرك أن حتى الحكومات المنتخبة عن طريق
صناديق الاقتراع تخضع للمسائلة وتعتمد المشاورة وتهتم بالتمثيل النقابي والمهني
والاعلامي في اتخاذ أي قرار أو خطوة في عملها،فما بالك بمجلس وطني لدعم ثورة وشعب
يطالب بحريته وكرامته وينشد دولة مدنية تتساوى في حقوقها ومسؤولياتها.
على كل عضوا في المجلس أن يسأل نفسه أولاً ويوضح للرأي
العام ثانياً ،كيف سيخدم المجلس والثورة وماهي الإمكانيات والقدرات والخبرات
والتجارب التي يملكها وسيضعها في خدمة الثورة.
وحذاري من أن يكون المجلس مطية للبعض لكي يبني علاقات
وصيتاً وسمعة ويحقق ظهوراً إعلاميا على حساب المجلس والثورة.
نأمل أن لايكون هناك فردا واحداً تراوده نفسه بهذه
الآمال الوضعية الدنيئة،بل نأمل أن يكون الهدف أعلى من كل المصالح والمطامح
الشخصية الفردية.
اليوم الكل متفق على ضرورة دعم أي مجلس وطني- بغض النظر
عن تركيبته -من أجل الخلاص من الظلم
والقهر، وتسريع الحسم ،وتحقيق النصر والعدالة الاجتماعية ، هذا التأييد يجب أن يفهم ويستغل في هذه الفترة
والإستفادة منه بكل المستويات ، ويجب أن لا يغيب عن الذهن أن هذا الدعم هو لأجل
الخلاص أولاً ثم لنيل الحرية والمساوة ثانياً.وكل تجاوزاً لهذه الحدود وتقصيراً
لهذه الأهداف وإنحرافاً عن مبادئ الثورة سيكون محط إنتقاد وتصويب بل ومحاسبة الثوار والشباب قبل فوات الأوان.
اليوم وقد طال الإنشغال لمدة أشهر عن المعارضة
والمؤتمرات واللقاءات والمجالس،هاهو المجلس ولد وتشكل ، علينا العودة جميعاً
للمربع الأول والتركيزعلى الهدف الأساسي والأول الذي سقط آلاف الشهداء من أجله وأرتوى كل شبر من أرض
الوطن بالدماء الزكية الطاهرة لنيله ،على
الجميع العمل بصمت وإخلاص من أجل النصر و نيل الحرية واستعادة الكرامة.
اليوم على الكل تحييد الخلافات والأهواء والمصلحة
الشخصية- ولو لفترة قليلة- وصف الصفوف وتجميع القوى والعمل ليل نهار لتحقيق النصر
قبل فوات الأوان .
د.مصطفى الحاج حامد
طبيب وكاتب
drmh2009@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق