الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-10-07

المزة 87 - بقلم: إياس غالب الرشيد

المِزَّة (بكسر الميم وفتح وتشديد الزاي )؛ من مواضع غوطة دمشق؛ إحدى جنان الله في الأرض، كانت مقصدا لملوك الغساسنة في الجاهلية ، وآخرهم جبلة بن الأيهم، ويروي المؤرخون عن جبلة بن الأيهم والمِزَّة الطرفة التالية :

دخل جبلة بن الأيهم الإسلام بعد فتح الشام، ووفد هذا الملك على مكة معتمرا، بعد انفراط عقد ملكه، وأثناء الطواف داس أعرابي على عباءة جبلة الملك، فما كان من جبلة إلا أن ضرب الأعرابي بعصا فهشَّم أنفه ؛ فرُفع الأمر إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تـ23هـ ،وحكم بين الرجلين؛ إما أن يعفو الأعرابي ، وإما أن يقتص من جبلة ؛فالعين بالعين والسن بالسن؛ ولكن الأعرابي أبى أن يعفو عن جبلة، وأصر على القصاص ، فطلب جبلة من الخليفة عمر بن الخطاب مهلة ثلاثة أيام؛ فر خلالها إلى بلاد الروم، ورجع إلى ملته السالفة نصرانيا ً.


ومرت الأيام سراعا، وبينما القوم جلوسا في قصر الخليفة معاوية بن أبي سفيان ت60هـ ،يتذاكرون أيام العرب، جاء ذكر جبلة بن الأيهم ، فقال الخليفة معاوية من يأتيني بجبلة بن الأيهم، ويرده إلى الإسلام ، ولجبلة ما يريد ، فقام أحد الفرسان، ومضى إلى بلاد الروم ، ( تركيا حاليا ) ووصل إلى حيث يسكن جبلة ،وكان وصول الفارس عند انبلاج الصباح، ووصف الحالة التي عليها جبلة فقال : كان جبلة يقيم في قصر مكين؛ ما وقع نظري على مثله في بلاد الإسلام، وينام على أريكة مرتفعة، تعلوها عصا طويلة يقف عليها سرب من الطيور؛ غريبة الشكل واللون ، وبجانب الأريكة حوض من الطيب والعطر المطحون، وعلى الجانب الأخر حوض من المسك السائل ، وعند إشراقة الشمس ،تطير هذه الطيور، وتتمرغ بالطيب المطحون، ثم تقوم وتغتسل بالمسك السائل ،وتطير بخفة فوق جبلة بن الأيهم فيفيق، من رذاذ المسك ..

استفاق جبلة من نومه، واستقبل موفد معاوية بن أبي سفيان ،وعرض عليه المسألة، فقال له جبلة: أعود للإسلام وعندي شرط واحد؛ هو أن يهبني الخليفة بساتين المِّـزة !!!! فقال له الفارس : إن الخليفة أوكلني أن أعطيك ماتريد ، ولكن ليس بساتين المزة !!!!.

وانفض المجلس بين الرجلين، عاد الفارس إلى دمشق ، وقص على الخليفة معاوية الحديث، فقال له معاوية: ولِـمَ لَـْم توافق على طلب جبلة ؟؟ فقال له الفارس : إنها المِّزَّة يا أمير المؤمنين ... إنها المِّزَّة!!!!!!كيف يكون ذلك ؟؟؟!!

هذه هي المّـِزَّة التي سكنها الصحابي دحية الكلبي، والصحابي أسامة بن زيد ،وألف فيها الحافظ شمس الدين محمد بن طولون كتاب:( المعزة فيما قيل في المِـَّزة)، ويذكر فيه كثيرا من لطائف أهلها وجمالها الأخاذ.

أما في العصر الحديث؛ فقد اشتهرت المِـزَّة بسجنها السيء السمعة، الذي ضم بين ضلوعه الشرسة الكثير من نخب الشعب السوري، خلال حقبة البعث، وشهدت المدينة تجريفا لبساتينها الرائعةآخرها بساتين الصبارة التي كان جبلة بن الأيهم سيستبدلها بقصره ذي الطيور ؛التي تنشر رذاذ الطيب عند انبلاج الصباح ، وأكمل البعث عبثه بالمِـزَّة؛ فاشاد على جبلها حي المزة 86 الذي أخذ اسمه من لواء للجيش العقائدي الذي كان في الموقع نفسه ، وحشر في هذا الحي الكثير ممن استجلبهم من جبال الساحل السوري ،وأدخلهم في أجهزة الأمن والجيش، وجعلهم حربة تشوه وجه دمشق، وظهر بطشهم وفجورهم أثناء الثورة السورية، حيث مارسوا دورا تشبيحيا رهيبا، جعل أهل دمشق وما حولها يتمنون لو أن الجبل يبتلع هذا الحي، ويخلص الشام من شرهم...

وأصبح اسم مزة 86 مثيرا للاشمئزاز والهلع، عند الكثيرين ، لما يقترفونه من أفعال أثيمة، وليس لأنهم من طائفة مناقضة لمذهبهم الديني ، وبما أن الأفعال هي من تحدد المواقف فإن في سوريا أيضا المزة 87 ،وهي كتلة التجار المتآمرة مع النظام، والتي دعمت فرق الشبيحة، والمؤسسة الدينية الصوفية بقيادة البوطي وحسون ، وشراذم المثقفين اليساريين واليمينين واللبراليين،والقوميين ،وفلول حزب البعث؛ أمناء الفرق الحزبية، والمخاتير وجيوش العواينية وكثير من البسطاء الجهلة ،الذين يسكنون شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وتم انتقاؤهم بحسب نظرية المصريين، عندما ينتقون عناصر الأمن المركزي؛ من يعرف القراءة يقف يمينا ، ومن لا يعرف يقف شمالا، ويتم انتقاء من ظل واقفا في الوسط ؛ أي من لم يفهم السؤال؛ هؤلاء هم سكان مزة 87 ، وأثرهم في استمرار النظام يفوق أثر سكان مزة 86، لأنهم نقاط ارتكاز للنظام في كل المناحي، ومصدر يتكئ عليه لتشريع وجوده واستخدامه آلة تبطش بالثورة والثوار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق