تابعت الندوة التي قدمتها قناة (الجزيرة
مباشر) قبل أيام لمجموعة من النشطاء في الداخل ، وأقول منصفا ، لقد أدهشني ذلك المستوى
العالي في الوعي ، الناضج في الطرح ، الواضح في الرؤية .. لدى هؤلاء الناشطين ،
الذين هم من الشباب ، ومتوسطي الأعمار.
وأود التوقف عند بعض المحاور التي تناولتها
الندوة ، ومنها أسباب ودواعي وظروف قيام الثورة ، وهل هي ثورة خبز وجياع ، وتحسين
مستوى المعيشة والحياة ؟ لقد كان رأي المشاركين في الندوة أن نظام الحكم الأسدي
قام من أساسه على التفرقة والتمييز بين المواطنين ، وعلى محاولة مسخ شخصية الإنسان
السوري ، وفصله عن دينه وعقيدته وأخلاقه وتراثه ، وعلى وضع قوانين للتفرقة والتميز
والظلم والفساد ، وحرمان المواطن الحر السوي المخلص ، الذي لم يقبل الانخراط في
مشروع التفرقة والتمييز بين أبناء الوطن ، ولم يرض بالانحراف والفساد .. حرمانه من
أبسط حقوقه ، لذلك فإن الثورة قامت ، وكان لابد لها أن تقوم ، من أجل تحقيق
العدالة والكرامة والحرية لأبناء سورية جميعا ، وأن ذلك لا يمكن أن يتم إلا باقتلاع
هذا النظام الفاسد الطاغي الباغي من جذوره ، لأنه يمثل حكما مبنيا على الفساد ، لا
يمت للشعب ، ولا للعصر ، ولا للإنسانية وقوانينها ومؤساتها بصلة ، وليست مجرد ثورة
على خلل معين لسده ، أو انحراف لتصويبه ، أو فساد لإصلاحه .. هو نظام فاسد الجذر
والجذع والغصن والورق والثمر .. أو هو نظام فاسد العظم والدم واللحم والأظافر
الشعر .. أرأيتم أوضح منها رؤية ، وأحكم منها فلسفة لناشطين يتم تجاهلهم ، والنظر
إليهم على أنهم يحتاجون إلى من يقودهم وينظر عليهم ، ويفرض عليهم التبعية والأوامر
والتعليمات ؟
أما بالنسبة لموقفهم من المجلس الوطني الذي
تحمسوا له ، وأعلنوا أنه يمثلهم ، وكانوا سببا في دعمه وإعطائه شرعية وقبولا
واحتراما ، فإن الآراء اتفقت على ضرورة التمسك بهذا المجلس ، لأنه يشكل إطارا لابد
منه ، لتمثيل الثورة وحضورها في المحافل الدولية ، ولدى المؤسسات والمنظمات والدول
، وهم يتمسكون به بقدر تمسكهم وإصرارهم على إصلاحه ، وترشيد عمله ، وتحسين أدائه ،
وإعادة هيكلته بما يحقق له التوازن في سائر الجوانب ..
وهنا
نجد أنه لابد من إضافة كلمة إلى رعاة المجلس الوطني : إن العقلية التي كنتم تديرون
بها مؤسساتكم وجماعاتكم وأحزابكم ، من قبل ، وما كنتم تقومون به من تحزبات وتكتلات
، وما تفرضون من ولاءات ، وما تختارون من شخصيات هزيلة ، تواليكم حد التقديس ،
وتدور في فلككم ، وما كنتم تتبعون من
ممارسات على أناس فتضطرونهم للخنوع والخضوع لإرادتكم ، مما لا مجال الآن لتفصيله
..
إن ذلك النهج لن يصلح في هذا الوقت ، ولا في
هذا المكان ، ولا مع هذه الثورة المباركة ، وإنه لا سبيل أمامكم إلا أن تصلحوا
أمركم ، وتخلصوا عملكم ، وتتجردوا في اختياركم ..
إن
أحدا – حسب الظن – لم يخبر نشطاء الداخل أنه تم تعيين فلان في المجلس، لأنه
يتبع لفلان ويسير في فلكه ، وأن فلانا من
هذه الجهة ، في مقابل فلان من تلك الجهة .. وأن الحر المخلص الصادق المتجرد ، لم
يكن له مكان في هذا المجلس ، لقد اكتشفوا ذلك بحسهم الذي أرهفته التجربة والأحداث
والمعاناة ، ولأنه لم يعد بالإمكان التحكم بالناس وإرغامهم على الرضى والسكوت ..
لقد
رفضوا هذه الممارسات لأنهم أبناء سورية الجديدة ، سورية البذل والتضحية والفداء ،
من أجل الحرية ، وإقامة الحق والعدل والإنصاف ، ورفض الظلم والتسلط والهيمنة
والاستبداد ..
فيا رعاة المجلس الوطني ، أصلحوا أعمالكم ،
ووفروا على سورية الوقت والجهد، فإن كل لحظة تمر ، تخلف ما تعلمون من المآسي
والفواجع والكوارث ، وإن سورية يراد لها الفناء ، ولأهلها الإبادة ، وإنهم ماضون
في ذلك ، وإنها اليوم تحتضر .. وهناك من يقتسمون المواقع للتحكم بالثورة ،
والأشخاص للتبعية لهم ، والمناصب للظهور والشهرة .. أصلحوا أعمالكم أو تنحوا ، حتى
لا تحملوا وزر تدمير الوطن .. وليتكم تصلحون ، وليتكم تقدرون !
جـــزاك الله خيرا دكتورنا العزيز..
ردحذفكـــلام في قمة الروعة...
جوزيت خيرا..