يقولون: إلى متى سيظل الشعب السوري يصطلي بحرب الإبادة
وويلاتها..؟ لكأنهم لا يشاهدون معجزات السماء الدورية، وفيها الإجابات. إنّها شهب الحرية
التي تضرب الأمة...بعد طول شرود. وهي اشتعال ساقط من قبة النار الحارقة، تتخطّى ثخين
الأغلفة الجوية التي خنقتنا طويلا، وتتجاوز مسافات السماء الواسعة، لكي تحرق صقيعنا
المريع الذي تكوّرسرطانات خبيثة ممتدة في القلب والعقل والإرادات.
إنه ...الاصطلاء في اللمعان والتألق... وشدّةُ الآلام
قبس منه؛ فهل نستطيع الاتقاء من عاصفة النور والنار؟ نحن محظوظون
باكتوائنا بلحظة التغيير... محظوظون أننا نلبي النداء بدمائنا وأشلائنا في الزمن
الجديد.
ونحن لن نشفى ولن نحيا من دون أن نتعرض لمحنة الوجع
والكي والحرق والاحتراق والفجيعة...وإنّه البلاء الشديد للشفاء الأكيد..
الأرض تعدّل وصيتها كل عصر وعصر، وبين فجر
وفجر، عندما يحفر البشر على جدرانها كلمات
الوصية بالدماء؛ فلا شيء يعجبها إلا الدماء التي ينقشها مرجل المأساة على فروة القدر
وفوق حناء التراب...وشعبنا يكتب الوصية، ويفك
الارتباط بالعبودية، ويسخو بالدماء.
وقال الهدهد الذي رحل:" قلب الأرض أكبر من خريطتها
وأوضح من مراياها" نعم أرضنا أكبر من تقسيمات أزقتنا؛ لكنّ أرضنا هنا، أيها الهدهد الذي رحل في أوانه، لن يكون لنا مشنقة
فيها، ولا سيف ولا مقصلة، مادامت البداية ستتجلى في دماء الحياة المسكوبة من رحم الموت
وهو يلد الحياة...وما منا نكبر في فناء المعركة ونتعمد
وحدة مصير في لظى المعركة. ومادمنا نحمل الدواة لنؤرخ بمداد المعاناة قيامة الحياة
من الرماد، ومادامت أعباء أكفانهم تسير بنا إلى حيث نريد إلى الغد الآخر.. وحيث لنا
هناك ألف مقر.
فمادام هناك
بحر أقوى من هباء نهايتنا وأشد تلاطما من الغياب، غني بطعم الماء الحلو، يرتل فيروزه
قصائد العودة التي تحرسها بطولة الملاحين...وتحملها البطولات العظيمات مضرجة بجسد الموج
والورود الحمراء على أكف العذاب المنقوشة بدم النصر؛ فإننا سننجو.
ومادام البحر
النيساني الوردي يتسرب من أصابع أم دفنت منظومة المراثي بيديها، لتطلق نوارس قلبها
إلى شطآن بلا أسوار، بلا كمائن بلا احتيال ولا خداع. فإننا سنتحرر من إسار الظلمة.
ومادمنا نتقاسم كلنا محنة اختبار الأمواج في شح الظلام
وشديد النوء؛ فإننا سنحيا ونكبر ونغني شروق الفجر على هدوء الصباح السماوي في مدينتنا
التي لا رديف لصفاتها سوى هي؛ فهي التآلف التضاد المنفى والمأوى. المبدأ والمنتهى...الأرض
والسماء.
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق