للثورة
رجالها في الميدان وعلى الأرض يكنبون فصولها، لكنّهم لا يستطيعون وحدهم أن يرفعوا ثورتهم إلى الشمس؛
ففي النهاية تحتاج الثورة إلى من يتكلم باسمها ويمثلها سياسيا. وهنا تكمن الآزمة في التعاطي مع الثورة السوريّة؛ فهناك أزمة شديدة.
وقد آن الأوان لأن تحل؛ فالأولوية هي إسقاط النظام الإرهابي المجرم؛ فمصلحة سوريا
تقتضي رفض التقسيم والتجزئة وتوحيد المسار لإسقاط النظام ودعم الثورة الشعبية، بغض
النظر عن الرؤى الذاتية والولاءات الفرعية، وتأجبلها للمرحلة القادمة بعيدا عن التشنج والتجييش السلبي.
الشعب السوري
حتى الآن بلا قائد وقيادة. لا في الداخل،
ولا في الخارج. في الخارج يتنافسون ويتنازعون. وفي الداخل، لكل جهة ناسها. بينما وحدة
العمل وتشاريكيته القيادية ضعيفة وصيغة العمل هي التفكيك لا البناء. والحصار
التمويلي خانق. لكن أصبح الأمر، الآن، خطيرا جدا، يهدد بضياع الوطن. ومن اللازم والواجب أن يتوجه العمل على أن يكون هناك قيادة موحدة وعمل موحد في
ضوء ميثاق وطني يجمع الكل في اختلافاتهم وخلافاتهم مادام هناك أهداف أساسية واحدة
تجمعهم.
إنّ إسقاط
النظام الاستبدادي كله وتحرير البلد من الطاغية هو قاسم مشترك؛ فأطياف المعارضة
المختلفة يجمع أغلبها، الهدف نفسه؛ فلماذا
مازالوا يعملون متفرقين ومفترقين، في حين أن الشعب وثورته أحوج ما يكون لتفعيل ميثاق العمل الوطني؟. الخلافات والاختلافات بين أطراف المعارضة، ليست، فقط، بسبب الصراع على السلطة والزعامة
والقيادة، وحصاد مخلفات الاستبداد ونرجسيات الظهور، لكن أيضا بسبب اختلاف برامح
العمل السياسي؛ فلكل واحد برنامج مختلف، يريد تنفيذه بعد سقوط النظام وانتصار
الثورة لتحقيق مكاسبه؛ ولذلك يختلفون ويتصارعون ولا يتعاونون جديا وبشكل متواصل، ويتناسون
أن كثيرا من تجارب الدول القوية والمتقدمة، تحمل اختلاقات
وتناقضات وصراعات وتيارات متناحرة بين اليمين واليسار؛ لكنهم يعملون جميعهم لمصلحة بلدهم، ويتفقون على أمن دولتهم وقوتها،
ويتفقون على أسس ثابتة في بناء دولتهم...
يجب
أن تقيم المعارضة والثورة ائتلافا وطنيا شاملا، يجمع كل الأطراف من أقصى اليمين إلى اليسار تحت شعار
واحد هو سوريا للجميع في ضوء الحرية والديمقراطية. ويجب التأسيس لبرنامح عمل
متكامل وناضج وشامل؛ فالهدف الإجماعي واحد،
هو إسقاط النظام، ويمكن حل الإشكاليات الأخرى في أثناء بناء دولة ديمقراطية قائمة على الانتخابات، وحتى الدستور يجب أن يخضع للانتخاب. المهم أن
يتوقف التشرذم والصراع بين قوى المعارضة.
عندما لا يتكلم الشعب بصوت واحد، يتدخل في شؤونه البعيد
والقريب. ولكل متدخل مصالحه ومشاريعه المختلفة عن المشروع الوطني التحرري النهضوي..
ومن الخطأ تقسيم الخطاب بين معارضة داخلية ومعارضة خارجية.
الصحيح أن يكون
الحديث على نهج واحد في جبهة التحرير السورية وفي ائتلاف
قوى التحرير السورية في هدف واحد هو التحرير. ويكفي ثرثرة وخلافات. إنّ كل واحدٍ بوحده
ضعيف. ولا أحد أو زعيم أو حزب أو حركة أو تيار أو كتيبة يحتكر الحقيقة، مهما كان
نخبويا وفذا. والشعب الذي يحترق على أرض المعركة، ويتعرض للمحن المتوالية، هو
المرجعيّة والهدف، ولأن ألمه وغضبه وانفعاله يجعله قاصرا عن تلبية
متطلبات النظرة السياسية الهادئة البناءة؛ فإن الثورة أحوج ما نكون إلى مظلة سياسية عاقلة وطنية تظلل
مخاض الصعب بالذكاء السياسي ودهاء التخطيط الاستراتيجي ضمن تموضعات المصالح
والمخاوف والمخاطر، وتستخدم ضمن المسؤوليات التاريخية وحرمة الدم كل الوسائل
الممكنة لتحقيق النصر وإيجاد حلول للإشكالات والمشاكل والوصول إلى أهداف الثورة.
الإجرام الذي اتبعه النظام بكل عنف وحشي، قد يخرج الإنسان عبر المآسي من إنسانيته؛
لكنّه لم ينجح في أن يكسر إرادة الشعب
السوري الثائر والصامد وقد عمدها الدم. وهذه نقطة الارتكاز في نجاح الثورة
وانتصارها.
ولكي يتحقق النصر نحن بحاجة إلى التوحد في استراتيجية
شاملة، غير تقسيمية، تجمع بين قوة العسكرة الشعبية وبطولاتها وبين
الدماثة السياسية وحنكتها وفق ميثاق عمل واحد له مرجعية قيادية موحدة.
عندما تكون
قوى الشعب موحدة لا أحد يخترقها. وحاليا من الصعب أن تلقي اللوم والتخوين على أحد لأنه مدعوم من هذه الجهة أو تلك؛ فالكل يدور في هذه
الدوامة.... لكنْ، الائتلاف الموحد هو النجاة والخلاص؛ فهو يوحد عمل الجميع وينظم
المرجعيات ويوضح الخطوط الحمر. فلو كانت
أطياف المعارضة موحدة كانت كسبت المعركة وكسبت سياسيا. ولأنه لم تستطع أي جهة أن تمثل الثورة السورية سياسيا، بشكل جامع، ولا
حتى. المجلس الوطني، الذي لم يمثل
المعارضة كلها، فإن الثورة والثوار في حالة غضب وانسداد رؤية. والحل هو الخروج
بمشروع يوحّد. فعندما تصبح المعارضة والثورة قوة واحدة فالمعادلة هي التي تتكلم
ولا خيار فرعي أو جزئي أو فئوي. لا أحد يريد وآخر لا يريد..
لسنا بحاجة لرئيس جامع. نحن بحاجة لقيادة موحدة. ولا مشكلة في وجود قائد رمزي. لسنا بحاجة ان نندمح، لكن بحاجة أن
نأتلف في مشروع عمل موحد وضمن مرجعية قيادية مشتركة، لا يمكن كسرها سياسيا. إذا بقي كل واحد وحده هكذا وحيدا في اليم، ستلعب
به الأمواج العاتية، وقد تفتله... فلنحم أنفسنا وثورتنا وبلدنا بالتوحد في ميثاق
عمل مشترك.
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق