الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-10-12

ثمار الصدقة ومحبطاتها -بقلم: مصطفى مفتي



الصدقة عنوانٌ للجود والكرم، ومظهر عظيم من مظاهر الخلق القويم، فهي تنشل صاحبها من أوحال الشح الذميمة، وتسمو به إلى عليين مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة 274].

والصدقة دليل من دلائل الإيمان، حيث قرَنَها الله تعالى في كتابه الكريم مع الإيمان وفضائل الأعمال، وجعل الإنفاق صفة من صفات المؤمنين، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [البقرة 3].  

ثمرات الصدقة وفوائدها:
لاشك أنّ لهذه الشعيرة أثراَ عظيماً على المنفق، لما فيها من تطهير للنفس من الشح وحب الذات والأثرة، لتنطلق النفس بعد ذلك من أغلالها إلى رحابة العطاء والبذل والجود، فالكرم هو مفتاح للفضائل والمكارم كلها، والشح والبخل مفتاح لكل نقيصة ودنيّة.

أولاً: من فوائد الصدقة دنيوياً:
1. الصدقة تدفع البلاء والهلكات كما جاء في الحديث الذي صححه الألباني: (( صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، و أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة)).

2. الصدقة وسيلة لتكفير الخطايا، يقول الله تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{271}﴾ [البقرة].

3.  الصدقة تفتح أبواب رحمة الرحمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))([1]).

4.  الصدقة سبب في شفاء الأمراض، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي حسنه الألباني: ((داووا مرضاكم بالصدقة)).     

5. الصدقة تنمّي الأموال وتزيدها، ولا تكون سببا في نقصانها كما يظن أصحاب النفوس الشحيحة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  ((ما نقصت صدقة من مال وما زاد اللهُ عبداً بعفو إلا عزّاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله))، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً))

6. الصدقة برهان على الإيمان: كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة  لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)).

7. في إخراج الصدقة ترغيم للشيطان وتصغير لسلطانه، ففي الحديث عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يخرج رجل صدقته حتى يفك بها لحيي سبعين شيطاناً))([2]) .

8.   الصدقة سبب للوصول إلى محبة الله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرورٌ تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تطرد عنه جوعاً أو تقضي عنه دينا))([3]).  

9. الصدقة سبب للتوسعة في الرزق، ونزول الغيث، وحلول البركة، يقول الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة 276]، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم وغيره، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة، اسْقِ حديقةَ فلان فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له يا عبد الله ما اسمك؟ قال فلان للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه)).

ثانياً: من فوائد الصدقة أخروياًً:
1. الصدقة تطفئ عن أهلها حرّ القبور، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته))([4]).

2. الصدقة سبب لدخول الجنة، والنجاة من النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اعبدوا الرحمن واَطْعِمُوا الطعام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام))([5]).

3. يَستظِلُّ المتصدقُ يوم القيامة في ظل صدقته حتى يحكم بين الناس، كما في الحديث السابق: ((إنَّ الصدقة لتطفئ عن أهلها حرَّ القبور وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته))، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلُّ امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس » أو قال : « حتى يحكم بين الناس»([6]).

4. يتضاعف أجر الصدقة يوم القيامة أضعافاً مضاعفة، فيكون للمتصدق المكثر والمواظب على صدقته الرصيد الأوفر، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بأعمال تثقل الميزان، فتنجيه من النيران، وتدخله الفردوس والجنان، قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{16} إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ{17}﴾ [التغابن]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما تَصَدَّقَ أحدٌ بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربّي أحدكم فلوه أو فصيله))([7]) .

أهم محبطات الصدقة:
1. عدم الإخلاص عند إخراج الصدقة، بأن يرائي المتصدق ابتغاء السمعة والشهرة، فذلك محبط للأجر، جالب للوزر، وأما إن كان قصده من إعلان صدقته حض الناس على الإنفاق والتبرع لقضية تهم المسلمين، فلا ضير في ذلك، بل له الأجر والمثوبة، قال تعالى: ﴿كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)﴾ [البقرة]، ويقول عزّ من قائل: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)﴾ [البقرة]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) إلى أن قال: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله))([8]).

2.  المحاباة في الزكاة، وعدم التحري في إخراجها لمن يستحقها، وقد تخرج في الأغنياء دون الفقراء، ابتغاء لمنفعة أو سلطة أو جاه، فيكون قد وضعها في غير مخارجها التي حددها المولى عزّ وجل في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾  [التوبة60].

3. أن يمُنّ المتصدِّق على من تصدق، فيذكره بعطاياه في المجالس الخاصة أو العامة، فتذهب صدقته هباء، ويأثم لما أدخله من الألم على نفس هذا المسكين ربما تمنى لو بات طاوياً هافياً ولم يأخذ مالاً يخدش عزته وإنسانيته، يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى﴾ [البقرة 264].

4.     أن يكون المتصدق كثير الإنفاق والعطاء لماله في الكثير من وجوه الخير، ولكنه في نفس الوقت مقصر على المقربين من أهل بيته وأقاربه مع حاجتهم لمساعدته وعونه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك))([9]).

5. أن ينتصر المتصدق لنفسه ممن يتصدق عليهم، لمواقف شخصية فيقطع معونته لهؤلاء، فيحرم نفسه الأجر والمغفرة والخير الكثير، وكلنا يعلم قصة مسطح عندما وقع في الكلام في قضية الإفك، فحلف أبو بكر أن يقطع النفقة عنه، فنزلت الآية الكريمة: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)﴾ [النور]، فقال أبو بكر – رضي الله عنه-: بلى والله إنا نحب أن تغفر لنا يا ربِّ، وأعاد إلى مسطح ما كان ينفق عليه، هذا لمن وقع في عرض ابنته الطاهرة المبرأة من فوق سبع سماوات بآيات تتلى إلى قيام الساعة، فما بال من يقطع صدقته لأدنى سبب، ولأجل حظ النفس الأمارة بالسوء؟!

وهناك العديد من الصور المحبطة للصدقة يندرج معظمها تحت ما ذكرت سابقاً، فأكتفي بهذا القدر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


([1]) رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأبو داود والترمذي وآخرون عن عبد الله بن عمرو بن العاص وقال الترمذي حسن صحيح وصححه الحاكم لما له من الشواهد ، منها ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن أسامة بن زيد بلفظ (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) ومنها ما روياه عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من لا يرحم لا يرحم) انظر: كشف الخفاء 1/ 109.
([2]) رواه الطبراني في معجمه الأوسط ج 1/  ص 308 برقم: 1034، ورواه أحمد والبزار ورجاله ثقات ينظر مجمع الزوائد للهيثمي، قال الألباني في السلسلة الصحيحة: ((3 / 264 : رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 248 / 2) و الحاكم ( 1 / 417) و أحمد ( 5/ 350) و الطبراني في "الأوسط" ( 1 / 90 / 1 - زوائد المعجمين ) عن أبي معاوية محمد بن خازم عن الأعمش عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا . و قال الحاكم : "صحيح على شرط الشيخين ". و وافقه الذهبي)).
([3]) رواه الطبراني في المعجم الأوسط 6/ 139، والسيوطي في الجامع 1/ 433، صحيح الترغيب والترهيب 1/231، وحسنه الألباني
([4]) أخرجه الطبرانى (17/286 ، رقم 788) ، قال الهيثمى (3/110) : فيه ابن لهيعة ، وفيه كلام . والبيهقى فى شعب الإيمان (3/212 ، رقم 3347) . وأخرجه أيضًا : ابن عدى (2/210 ترجمة 396 الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربى) ينظر: الجامع الكبير للسيوطي (1/ 6535)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم: 3484.
([5]) أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 981 ) والترمذي ( 1 / 340 ) وابن ماجه ( 3694 ) وابن حبان في صحيحه كما في " الترغيب " ( 3 / 266 ) وقال الترمذي: ( حديث حسن صحيح ) . قلت : وعطاء بن السائب ثقة لكنه كان اختلط ينظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 3/ 239.
([6]) رواه البيهقي في سننه 4/ 177في باب التحريض على الصدقة، وابن خزيمة في صحيحه 4/ 94 باب إظلال الصدقة صاحبها وقال الألباني: صحيح على شرط مسلم، والإمام أحمد في مسنده 4/ 147 وعلق الشيخ شعيب الأرنؤوط عليه بقوله: إسناده صحيح ورجاله ثقات رجال الشيخين غير حرملة بن عمران فإنه من رجال مسلم وعلي بن إسحاق المروزي فمن رجال الترمذي وهو ثقة.
([7]) متفق عليه واللفظ لمسلم وأخرجه البخاري بالإسناد وتعليقاً من حديث عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة، ينظر صحيح مسلم: 5/ 190 باب قبول الصدقة من الكسب، وصحيح البخاري: 5/ 221 باب الصدقة من كسب طيب.
([8]) رواه البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ لمسلم، ينظر: صحيح مسلم: 5/ 229 باب فضل إخفاء الصدقة، وصحيح البخاري: 5/ 236 باب صدقة السر.
([9]) رواه الإمام مسلم، ينظر: صحيح مسلم 5/ 160 باب فضل النفقة على العيال.

هناك تعليق واحد:

  1. كفيت ووفيت أيها الأستاذ
    بارك الله بكم وبيراعكم
    - أبو عبد الرحمن -

    ردحذف