لم تكن
العلاقة بين العرب وجارتهم الشرقية علاقة مودة في أي مرحلة من مراحل التاريخ، بل
على العكس، علاقة عداوة صرفة. وهناك من الإيرانيين من يريد العودة إلى ماقبل أربعة
عشر قرناً ليتهمنا نحن العرب بأننا من بدأنا تلك العداوة عندما قضت الدولة العربية
الاسلامية الفتية حينها على الامبرطورية الفارسية التي ماتزال مصدر فخر لكثير من
الإيرانيين وحرقة في قلوبهم في نفس الوقت. نرد على هؤلاء بأنهم إذا أرادوا استرجاع
التاريخ لاتهامنا بالقضاء على امبرطوريتهم، فالتاريخ أيضاً يقول بأنهم وقبل أن
نهاجمهم، فقد كانوا يحتلون مساحات واسعة من الأراضي العربية في الخليج وفي العراق كما
وقاموا بغزو سورية ومصر، مثلهم في ذلك مثل الامبرطورية الرومانية في ذلك الحين،
فلقيت الامبرطوريتان نفس المصير على حسب المثل (من يدق الباب يسمع الجواب). ولهذا
فأرى أن من الأفضل ترك التاريخ القديم وحاله والبقاء في التاريخ الحديث.
وقعت إيران
عام 1919، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تحت الوصاية البريطانية، وكانت
حينها تحت حكم أحمد شاه آخر حكام قبيلة القاجيريين. ولكن وفي عام
1925 قام رئيس الوزراء حينها رضا بهلوي بانقلاب، فاستولى على السلطة ومنح
نفسه لقب الشاه. وقد بدأت مصائب العرب مع هذه العائلة حين اتفق هذا
الشاه مع البريطانيين على ضم إمارة الأحواز العربية (وتسمى أيضاً الأهواز
وعربستان)، الطرف الشرقي للهلال الخصيب، إلى إيران. فوافقت انكلترا على ذلك
ومنحته الإمارة التي تبلغ مساحتها حوالي ثلاثة أرباع مساحة العراق، تماماً كما
فعلت حين وعدت بمنح فلسطين، الطرف الآخر للهلال الخصيب، لليهود ليقيموا
عليه دولتهم الحليفة لهم، وكما فعلت فرنسا فيما بعد بمنح لواء اسكندرون
السوري لتركيا لضمان حيادها في الحرب العالمية الثانية. وقد طمع الشاه بها
بسبب خصوبتها وغناها بالبترول والغاز ووافقت بريطانيا على منحه إياها لضمان ولائه للمعسكر
الغربي ضد الثورة البلشفية التي انتصرت في روسيا واستولت على الحكم هناك وبدأت بتشكيل
القطب الشيوعي.
خلال الحرب
العالمية الثانية مال الشاه إلى مساعدة ألمانيا الهتلرية بالرغم من
أنه ادعى الحيادية. فقام الجيشان السوفيتي والبريطاني بغزو البلاد رسمياً عام 1941
لتأمين آبار النفط وتم نفي الشاه إلى جنوب افريقيا وتنصيب ابنه محمد رضا
امبرطوراً مكانه. وقد انسحب الجيشان عام 1946 بعد انتهاء الحرب وبقي الأخير امبرطوراً
موالياً للغرب وخاصة لأمريكا وبريطانيا حتى عام 1979. ولكن وفي تشرين الثاني 1971،
وقبل شهر من منح انكلترا للأمارات العربية استقلالها، قام الشاه الابن وبمباركة
غربية باحتلال ثلاث جزر استراتيجية وغنية بالنفط في مضيق هرمز تعود للامارات وهي طنب
الكبرى والصغرى وأبو موسى. فهو كان يعرف أهميته كحليف للغرب في خاصرة الاتحاد
السوفيتي وبالتالي يعرف أن بامكانه أخذ مايريد دون مسائلة، تماماً كما هو الحال مع
اسرائيل وهو الذي كان أيضاً من أقرب حلفائها. ولكنه وككل دكتاتور، كان عليه أن
يحكم بلده بالحديد والنار ليضمن استمراره في الحكم، فأدى تراكم الظلم والقهر
والفقر إلى قيام الثورة ضده عام 1979 وهروبه خارج البلاد.
تنفس الشعب
الايراني ومعه الشعوب العربية الصعداء برحيل الشاه وتوقع الجميع من النظام
الجديد الذي قطع علاقاته مع أمريكا واسرائيل أن يفتح صفحة جديدة مع شعبه ومع
جيرانه العرب وأن يساعدهم في تحرير فلسطين كما وعد، وأيضاً أن يعيد لهم الأحواز
والجزر الثلاث. ولكن سرعان ماأشعلت أمريكا الحرب بين العراق وإيران انتقاماً
من الأخيرة بسبب معاداتها العلنية لها واحتلالها لسفارتها وأخذها لموظفيها كرهائن،
فاستمرت الحرب ثماني سنوات وكلفت البلدين ملايين الضحايا بين قتيل وجريح. ولكن ومنذ
الشهور الأولى من وصول الخميني إلى الحكم في إيران،توضح للعيان (تطابق) سياسته
مع سياسة نظام الأسد الأب في سورية. وهي سياسة معادية لاسرائيل في الظاهر وضامنة
لأمنها في الواقع. أما معاداتها الحقيقية فكانت للدول العربية والاقليمية، والدليل
على ذلك تجاهل موضوع الأحواز والجزر الثلاث. وكذلك إنشاء حلف إيراني -
سوري على أساس طائفي معاد للعراق ومصر وتركيا وبقية دول المنطقة.
تم تقديم لبنان لسورية على طبق من ذهب
باستحداث الحرب الأهلية عام 1975 لينضم إليهما الحليف الايراني بعد الثورة. قام
هذا الحلف بعد ذلك بانشاء (حزب الله) في لبنان حيث قامت اسرائيل من طرفها
بتوفير الحجة لانشائه وتسليحه بابقائها على احتلال الجنوب بعد غزو عام 1982، وهاهو
اليوم الآمر الناهي في لبنان ويتلقى أوامره وامداداته من طهران عبر دمشق. وقد تم
إنشائه حينها كحزب مقاومة، فإذا بنا نراه اليوم يحارب الشعب السوري الذي ثار ضد
نظامه طلباً للحرية والكرامة. ثم أتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ليتم
تقديم هذا البلد أيضاً على طبق من ذهب، ولكن هذه المرة لملالي إيران مقابل
مساعدتهم للأمريكان في الحرب الأفغانية. وتم تشكيل ميليشيا (جيش المهدي) فيه على
غرار (حزب الله) اللبناني، والذي يقف هو والحكومة العراقية علناً إلى جانب
النظام السوري في قتل شعبه. وبذلك يكون قد اكتمل الهلال الشيعي من الخليج إلى
المتوسط (إيران-العراق-سورية-لبنان) والذي تحركه أوامر خامنئي.
أما على
الجبهات الاخرى،فقد استغل الملالي عزلة (حركة حماس) ومحاصرتها في غزة
لتقدم لها المساعدات المالية مقابل السماح لها بفتح الحسينيات والدعوة للمذهب
الشيعي في القطاع وكذلك بالتدخل في صناعة القرار، كما سبق وفعلت في سورية من قبل. أما
في باقي دول المنطقة كالسعودية والبحرين واليمن فقد قامت بتحريض
الشيعة فيها لاثارة الشغب ودفع حكام هذه الدول للتفاوض معها مباشرة أو عن طريق
وسطاء كسورية قبل اندلاع الثورة فيها.
إذاً،
وبالرغم من أن الشاه كان ديكتاتوراً بامتياز، وقضم هو وأبيه الأحواز
والجزر العربية الثلاث، إلا أن الملالي يسعون إلى ماهو أبعد من ذلك
بكثير، وهو إعادة بناء الامبرطورية التي انحسرت قبل حوالي أربعة عشر قرناً
واستعادة مناطق نفوذها في العالم العربي على أساس طائفي. وهذا هو أيضاً جوهر
ماتقوم به اسرائيل التي تسعى أيضاً إلى دولة أحلامها التاريخية (من الفرات
إلى النيل) التي انحسرت قبل حوالي خمسة وعشرين قرناً، فهل هذا التشابه في تاريخ
الدولتين ومشروعهما (القديم – الحديث) مجرد مصادفة؟ من جهتي فلا أرى أي مصادفة
هنا، بل أرى دولتين حليفتين يعزفان على وتر العقيدة الدينية، تجمعهما مصالح مشتركة
تاريخية وعدو مشترك تاريخي هو العرب.
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 15 ذي القعدة 1433، ا تشرين الأول 2012
هيوستن / تكساس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق