أذّن المؤذن لفجر يوم السبت الرابع من ذي الحجة
لعام ثلاثة وثلاثين وأربعمئة وألف للهجرة، ولم يدر من كانوا حول الشيخ عبد الباقي
شريقي أنه في تلك اللحظات كان يلبي نداء ربه بأن أزف وقت الرحيل، وآن للنفس
المطمئنة التي كابدت وعانت ما يربو عن مائة عام في الدنيا وهي في جهاد دائم في
سبيل إيصال كلمة الحق للناس جميعًا... آن لهذه النفس أن ترتاح من نصب الدنيا
ووصبها... لتستجيب إلى نداء عُلْوي رحيم يقول لها: ((يا أيتها النفس المطمئنة،
ارجعي إلى ربك راضية مرضية....)) ففاضت روحه منسلة من جسده بهدوء حتى لم يكد يُحس
بها الحاضرون، وهم يرقبونه قبل ذلك بقليل يتأهب لصلاة الفجر...ومن يدري فربما كانت
روحه على موعد مع ملأ آخرين لصلاة أخرى لا نعرف عنها شيئًا؛ نحن البشر في عالم
الأرض والطين...
وانتشر الخبر من خلال أثير عشرِ ذي الحجة ليكون لوقع ذلك الخبر طعم خاص عند من يتذوق حلاوة تلك العشر، ويتنسم أريجها الفواح، وهو يعطر الأرض لاستقبال يوم عرفة وأيام الحج الأخر... في جو مهيب مغمور بالرحمة والمغفرة...
رحم الله الشيخ، وأسكنه فسيح جناته، وعوض العباد والبلاد خيراً...
لبى المولى عبد الباقي
لبــى المـــولى عبد البـــــــــاقي فتــــــــوارت شـــمـــس الآفــــاقِ
وتـــوارى البــــدرُ فــلم يظــهر ليــــــــــلاً لِعيـــــون العُـشَّــــــــــاقِ
ضَـــمّــــتـــــهُ الأرضُ مُعطّـــرةً فبــكـــته مَــــــحــــاجــــرُ ومــــآقِ
صبرًا يا نفسُ على خطْبٍ جـــلَــلٍ وافــــانَـــــــــا بِــــــفـــــــــــراقِ
من مُــزنِكِ يا عينِي جودي فالــدّمــــع لِحُــرقـــــتِـــنـــــا ســــاقِ
منّــــيْـــــــــــــتُ الـــنَّفـــــسَ بلُقـــــياهُ لأمــتّـــــعَ خــــدّيَ بِعِـــــنــــــاقِ
نفحـاتُ الطّـــيبِ لهــا عبـــقٌ مــنْ صــدرٍ حَـــــــانٍ دفـــــاقِ
يُرسِـــلُهــا قــــــــــــلــبٌ مَشغــــولٌ بالخــيْـــــرِ، بِـحــبِّ الخلاقِ
من قـــلبٍ كان لــه وَمــــضٌ مـــلأ الآفـــــاقَ بــــــــإشْــــــــراقِ
كانـــــــتْ تأتـــــيـــنا مُفْعــــمَـــــــــةً بالحُــــــبّ وأزكــى الأشـواقِ
مـــــن عَـــلمٍ ظـــــلّ بعِــــفّتـــــــــه عـلَمـاً في دُنــيَــــــا الأخلاقِ
شيْــــمتُــه البِـــرُّ بأَصـــــحـــابٍ من غيــــر ريــــــاءٍ ونِفـــــــاقِ
وخِــــصـــــالُ الخــــيرِ تُـــزيّــــنهُ فـــــــأطــــلّ بـــــوجْــــــــهٍ بَـــــرّاقِ
كــــــم قــــاومَ ظُـــلْـمـــًا وفســــادًا وتحـمّــــــلَ فُحْـشَ الأشْــداقِ
وغـــريـــــبـــا آثــــــر أنْ يحْــــــــيــا عَــــــن عَيْشٍ بين الْفُسّـاقِ
كم طـــاف بِـــبُــلْــدانٍ شــــــــتّى في خدمةِ ديــــــن الخلاقِ
فــــــــي كــل مكــــانٍ حــــلّ بـــهِ أثـَــــــرٌ عـن رجُــلٍ عِمْلاقِ
لم يَـــعرف مـــللاً أو سـَــــــأمـــًا لم يُـــمْسـكْ خشْيَـــةَ إملاقِ
بل كانـــتْ راحــتُه تَمضـــــــي بالجــــــــودِ وطِـــيبِ الإنفاقِ
في عشر الحــــجّة قـد لبّــــى مــــولاه بشـــــوقٍ لـــتــــــــلاقِ
ربــــــــــاه فآنـــسْ وحشــــــتــــــــــــــه بلــــقــــــاءِ كـــرامٍ ورفـــــــــاقِ
ربــــاهُ وأذهِــــــــــــــــــــب ظـــمأَتــــهُ بنَمــــيــــــرٍ عــــذبٍ رقـــراقِ
واجْعـــل في الجنـــــــةِ مــــأواهُ يا ربّ ارحمْ عبــدَ البـــاقي
يوم عرفة 9/ذي الحجة/1433 الموافق لـ25/10/2012
محمد جميل جانودي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق