بسم الله الرحمن الرحيم
في العشرين من
نيسان عام 1925م، وقعت مكيدة تاريخية عظيمة، خطّطت لها بريطانية الاستعمارية،
وتواطأت على تنفيذها مع بلاد فارس التي أُطلِقَ عليها منذ ذلك التاريخ اسم: إيران،
وكان من نتائج هذه المكيدة التاريخية: احتلال قطرٍ عربيٍّ أصيلٍ ينتمي إلى الوطن
العربيّ، هو: الأحواز (أي: الأرض المملوكة ذات الحدود المعلومة)، وهو الاسم الذي
بقي قيد التداول حتى عهد إسماعيل الصفويّ (عام 1501م)، إذ أطلق الفرسُ على الأحواز
منذ ذلك الوقت اسم: عربستان (أي: بلاد العرب). وقد أطلق عليه الإيرانيون كذلك اسم:
خوزستان (أي بلاد القلاع والحصون)، نسبةً إلى ما بناه العرب المسلمون في هذا
الإقليم من قلاعٍ وحصونٍ بعد معركة القادسية.
وفق أدقّ
الدراسات، تبلغ مساحة الأحواز العربية (348) ألف كيلو مترٍ مربّع، أي أكثر من
مساحة بلاد الشام كلها (سورية والأردن وفلسطين ولبنان). ويبلغ عدد سكانها العرب
أكثر من (12) مليون نسمة. وأهم إماراتها هي: المحمّرة والقواسم والمنصور والعبادلة
وآل علي والمرازيق. وعدد مدنها أربع وعشرون مدينة، فيما يبلغ عدد قراها أكثر من
ثلاثة آلاف قرية.
يسجّل التاريخ
أنّ الوجود العربيّ في (الأحواز) بدأ مع ظهور هذه البقعة من الأرض على خريطة
العالَم، منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، على شكل مجموعاتٍ بشريةٍ قادمةٍ من اليمن
والجزيرة العربية، وأنّ هذا الوجود العربيّ هناك سبق أيَّ وجودٍ إنسانيّ، ولم
ينقطع منذ ذلك الوقت، إلى أن أقامت في هذه المنطقة القبائلُ العربيةُ القادمةُ من
العراق والجزيرة العربية، أهمها: (بني طرف) و(بني كعب) و(بني تميم) و(آل كثير)
و(آل سيد نعمة).. وغيرها. كما يسجّل التاريخ أنّ الخليج العربيّ بساحليه الشرقيّ والغربيّ،
كان مجالاً حيوياً للقبائل العربية قبل الإسلام، وبقي الطابع الاجتماعيّ هناك
عربياً عبر العصور والقرون.
تمثّل
(الأحواز) أخصب الأراضي في المنطقة، وتمتدّ على طول الساحل الشرقيّ للخليج
العربيّ، من شماليّ شط العرب شمالاً إلى مضيق هرمز جنوباً (وهو المضيق الذي يصل
بين الخليج العربيّ وخليج عُمان)، وذلك على امتداد (850) كم، وعرض (150) كم، وهي
الأراضي الخصبة التي تتماثل -طبوغرافياً- مع الأراضي العراقية والعربية المجاورة،
فيما تفصل بينها وبين بلاد فارس (إيران) سلسلتا جبال زاغروس وجبال بختياري الشاهقتان
الوعرتان، المتنافرتان –طبوغرافياً- معها (أي مع الأحواز العربية).. وهذا يعني
بوضوحٍ أنّ إيران ليس لها أيّ ساحلٍ على الخليج العربيّ، الذي بقي حلماً فارسياً لم
يتحقّق، إلا باحتلال الأحواز العربية بتاريخ 20/4/1925م، عندما وقع آخر أمرائها
(الشيخ خزعل الكعبيّ) ضحية مكيدةٍ بريطانيةٍ-فارسية، حين دُعِيَ إلى حفلٍ على متن
يختٍ بريطانيٍّ في شط العرب، إذ اعتُقِلَ مع مرافقيه من قِبَلِ مجموعةٍ من الضباط
البريطانيين والفرس، واقتيد إلى سجنٍ في طهران، فيما بدأت قوات (رضا خان بهلوي)
بالهجوم العسكريّ واحتلال (الأحواز) بمساعدةٍ بريطانيّة.
كما تمثّل
الأحواز العربية المحتلَّة إيرانياً، أهميةً استراتيجيةً بالغةً من النواحي
الجغرافية والاقتصادية والسياسية والتجارية، فامتدادها على طول الساحل الشماليّ
والشرقيّ للخليج العربيّ، جعلها صلة الوصل بين إيران والعالَم الخارجيّ، وذلك عبر
موانئها ومنافذها البحرية. ومما أكسب الأحواز أهميةً بالغةً إضافية، هو اكتشاف
النفط والغاز الطبيعيّ فيها منذ عام 1908م، وهو الأمر الذي أسال لعاب الغرب
وإيران، وكان أحد أسباب احتلالها، فالنفط في الأحواز العربية يمثّل (87%) من النفط
الإيرانيّ المعتَمَد، فيما يمثّل الغاز المستخرَج من الأراضي الأحوازية نسبة (90%)
من مجمل الغاز الإيرانيّ!.. علماً بأنّ إيران تُعتَبَر من أغنى دول العالَم بإنتاج
هاتين المادّتين الحيويّتين المنتَجَتَيْن من هذه الأرض العربية: الأحواز!.. أما الطاقة
الكهربائية الإيرانية، فيتم إنتاج (74%) منها، من المصادر الطبيعية الأحوازية!..
كما تشتهر الأحواز بوفرة مياهها، إذ يمر فيها خمسة أنهارٍ كبيرة، أهمها أنهار:
الكارون والكرخة والجراحي، وتمثّل مياهها نصف المخزون المائيّ لإيران، المستهلك لمياه
الشرب والريّ!.. ونظراً لخصوبة أراضيها، فقد اشتهرت الأحواز بزراعة القمح والأرز
وقصب السكر والحمضيات والنخيل، ويمثّل إنتاجها من القمح (50%) من مجمل الإنتاج
الإيرانيّ، ومن الحبوب عامةً (40%) من الإنتاج الإيرانيّ، ومن التمور (90%) من
الإنتاج الإيرانيّ، تنتجها أكثر من أربعة عشر مليون نخلةٍ أحوازية!..
منذ احتلالهم
الأحواز، قام الفرس وما يزالون يقومون، بحزمةٍ من الإجراءات التعسّفية الظالمة،
لطمس الهوية العربية لشعب الأحواز، ومما قاموا (ويقومون) به:
أ- مَنْعُ
تدريس اللغة العربية، ومصادرة كل ما في البلاد من كتبٍ عربية، حتى تلك الكتب التي
يملكها أشخاص عاديون، وفَرْضُ التعليم باللغة الفارسية، وكذلك فَرْضُ اللغة
الفارسية على المحاكم الأحوازية، ومَنْعُ التداول باللغة العربية داخل هذه
المحاكم.
ب- فَرْضُ
الحُكم العسكريّ الفارسيّ، وإلغاء كل أشكال مؤسّسات الحُكم العربية: السياسية
والإدارية والقضائية.
ج-
عدم الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الأحوازيّ، وحرمانه من أبسط الحقوق السياسية.
د- الاستيلاء
على الأراضي الزراعية العربية، وعلى مياه الشرب التي تمّ تحويلها إلى المناطق
الفارسية، وإقامة المستوطنات الفارسية لتغيير التركيبة الديموغرافية العربية،
والسيطرة على ثروات البلاد بِمَنْحِ امتيازات استثمارها للشركات الأجنبية.
هـ- القيام
بحملات تفريس البلاد، بتغيير الأسماء العربية للمعالِم والمدن والشوارع، إلى
الأسماء الفارسية، وتغيير الملامح العربية في المدن، واقتطاع بعض الأراضي وضمّها
إلى المدن الإيرانية المجاورة.. وتهجير الأسر العربية والاستيلاء على أراضيها،
لإحلال الأسر الفارسية محلّها.
و- استخدام
أبشع أساليب القمع والاضطهاد بحق السكّان العرب، وذلك بفرض الضرائب الباهظة،
وبالتشريد والسَّجْن والاعتقال والقتل والملاحقة والإعدام.
لذلك شهدت
الأحواز المحتلّة، منذ احتلالها، أكثر من خمس عشرة انتفاضةً وثورةً شعبية، اشتهرت
منها (حديثاً) الانتفاضة العارمة في عام 2005م، وتقود المقاومة الأحوازية المدنية
والعسكرية ضد الاحتلال الفارسيّ الإيرانيّ.. مجموعةٌ من المنظّمات، من مثل: المنظمة
الإسلامية السنّية الأحوازية، وحركة التحرير الوطنيّ الأحوازيّ، والجبهة العربية
لتحرير الأحواز، ومنظمّة الجماهير الثورية الأحوازية، والاتحاد العام لطلبة وشباب
الأحواز، والمجلس الوطنيّ الأحوازيّ، والحزب الوطنيّ العربستانيّ، وحزب النهضة
العربيّ الأحوازيّ، والمنظمة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، وحركة النضال العربيّ
لتحرير الأحواز.. وغيرها من المنظمّات التي تأثّرت بحركات التحرّر العربيّ
والإسلاميّ.
لقد فعلت إيران الفارسية ما فعلت في العراق المسلم وأفغانستان المسلمة، وما
تزال تنكر احتلالها للجزر الإماراتية العربية الثلاث: أبو موسى وطنب الكبرى وطنب
الصغرى، وما تزال تعتدي على الحقول النفطية العراقية (الفكة وغيرها)، وما تزال
تثير القلاقل في لبنان واليمن والكويت ومصر والمغرب وتونس والبحرين، وما تزال
تعتدي على الشعب السوريّ دينياً وديموغرافياً وعسكرياً وأمنياً وعوناً طائفياً
للنظام الأسديّ على إهلاك الحرث والنسل.. وقد اقترفت الحكومات الإيرانية المتعاقبة
في الأحواز العربية المحتلَّة، منذ تاريخ 20/4/1925م حتى اليوم.. أبشع مما ارتكبه
العدوّ الصهيونيّ في فلسطين المحتلّة، وما يزال طغاة الوليّ الفقيه الفارسيّ الصفويّ
وحكومة (أحمدي نجّاد)، يثيرون الضجة والضجيج بافتراءاتهم وعدوانهم السافر متعدّد
الأشكال، لتكريس اسم: الخليج الفارسيّ بدل الخليج العربيّ، وهم أول مَن يعلم بأنّ
الأحواز الممتدّة على طول الساحل الشرقيّ للخليج.. هي بلاد عربية احتلّها الفرس
بتواطؤ بريطانية الاستعمارية ومساعدتها.. وهم كذلك أول مَن يعلم، بأنّ بلاد فارس
ليس لها منافذ تُذكَر على الخليج، العربيّ بكل سواحله الشمالية والشرقية والغربية،
فما أوقح الفرس الصفويين وما أشدّ صفاقتهم!.. وبعد ذلك كله يزعمون، ويردِّد
مزاعمهم جَهَلَةُ العرب والمسلمين: إنهم مسلمون يمثّلون دولةً إسلامية، وإنهم
يحرصون على تحرير فلسطين والأراضي العربية والإسلامية المحتلّة، التي يحتلّون هم
أثمنها وأغناها!..
4 من تشرين الأول 2012م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق