تحكي الأسطورة اليونانية
أن الإله "بروميثيوس" أحب الإنسان كثيرا وأشفق عليه، لِما قُضي عليه من
خوف وذل وأمل عقيم، فسرق النار الإلهية، نار المعرفة، ومنحها لبني الإنسان، فكان
عقابه الأبدي أن شده كبير الآلهة، بالأغلال الفولاذية التى لا يمكن تحطيمها، إلى
صخرة مرتفعة، ذات نتوءات بارزة، تُطل على ماء المحيط، وأطلق عليه النسور تنهش
جلده، وكلما طلع الصباح كساه جلدا جديدا لتطعم به النسور! عذاب أبدى، شاركت المارد
المُعذب فيه كل عناصر الطبيعة! بيد أن كبير الآلهة لم يكفه من بروميثيوس كل هذا
العذاب الجسدي، فأرسل إليه وفدا من ربات الانتقام يعذبنه! فبروميثيوس، ككل
الأبطال، له روح قوية لا تكسرها الآلام الجسدية، ولكن يكسرها أن تُفجع فى الفكرة
التى تمثلها!
تلك هى أسطورة بروميثيوس،
مرتبطة المُلهم بالحضارة الغربية. فالغرب يحلو له دوما أن يرى نفسه بروميثيا، نسبة
إلى الإله اليوناني بروميثيوس الذى سرق نار المعرفة من الآلهة ليعطيها إلى البشر!
والغرب يحلو له أيضا أن يرى الحضارات الأخرى غير بروميثية!
هكذا هي نمطية المجتمع
الغربي او نمطية الاعلام الجديد وهيمنة "الشو" show على التفاصيل الضخمة والتي
تتكرر كل يوم دون أن يؤخذ لها أي اعتبار.. الفتاة الباكستانية "ملالة
يوسف" التي نددت بموقف طالبان من تعليم المرأة وتعرضت للاغتيال موقف يستحق
الوقوف ولكن تجييره للتسويق الغربي واجتزاءه من السياق الثقافي المجتمعي لهذه
الفتاة هو ما يمكن ان يسمى بـ "البروميثية الغربية". ثقافتنا فيها
الكثير مما يؤسس لتحديث وتنمية المجتمع المسلم.. حداثة بإبداع توليدي من داخل
الثقافة مع الاستفادة من حضارات الآخرين...
ما يحدث في سوريا ومساهمة
المرأة في الحراك الثوري المدني فيه آلاف اللوحات التحررية من العبودية
والديكتاتورية التي عانت منها المرأة السورية على مدى عقود، واليوم هذه المرأة تشد
وثاق الديكتاتور مشاركة الشعب السوري همومه وآلامه.. أيا كان شكل ونمط الحرية التي
تسعى له المرأة السورية فإن الشىء المؤكد أنها تسعى لوضع سياسي واجتماعي جديد..
مستقبل المرأة السورية مهم للغاية في بناء مؤسسات المجتمع المدني ومشاركتها
السياسية الفاعلة في إقرار الدستور الجديد الذي يكفل لها حريتها وكرامتها وحقوقها
المرجوة.. المرأة السورية ذات حضارة تاريخية لاواعية تؤهلها للمساهمة في بناء
سوريا الجديدة.. المطلوب من السياسيين الجدد هو الدفع بالمرأة وليس إعاقة عملها بشتى
أنواعه السياسي والمدني والمهني.. "المرأة نصف المجتمع" ولكنها عبارة لا
تلقى بالهواء هكذا! ينبغي أن تترجم لأن تكون المرأة نصف القوى السياسية والمدنية
والمهنية كذلك. هناك الكثير من الذاتية الثقافية التي تدّعم حرية المرأة تحتاج إلى
إعادة توليد إبداعي ونقد كل ما هو يمس كينونة وإنسانية المرأة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق