هم جميعاً قد أغدقوا على النظام الأسدي بفرصة وراء فرصة، على أمل أن
ينهي الثورة السورية، وينتصر في قمع المشروع الشعبي التحرري. قد دعموا النظام خفية
وأعطوه مجالا واسعا للإطاحة بالثورة؛ لكنهم لم يستطيعوا؛ لذلك هم مضطرون الآن أن
يدعموا، بشكل ما، الثورة، بمحاولة احتوائها، حتى لا تتمدد وتتجذر؛ بعد أن سقطت
مراوغتهم وتم اكتشاف نفاقهم، وأصبح لا ينقصهم
المزيد من فوضى شبيهة بفوضى العراق التي
أخرجتهم بخسائر أكبر من المكاسب.
ليس من مصلحتهم وجود شعب ثائر ومسلح في
المنطقة العربية، وعلى مقربة من حدود إسرائيل والنفط، لا يخاف، بل يستعد للموت من
أجل أن يأخذ زمام المبادرة والحرية...وقد أدركوا الآن، وإنْ، متأخرين أنّ هذه ليست
حركة احتجاج عابرة وجزئيّة، بل ثورة تجذرت وأصبح من محض الخيال إنهاؤها.
هناك
أكثر مما يعرفون، وهناك ما لا يعرفونه؛ لأنهم غاطسون حتى العمى في مشاريع هيمنتهم؛
وهو أنّ :"الذين يتجاهلون إنسانية الإنسان وحقوقه، ويحاصرونه بالقهر، ويعملون
على ازدائه واحتقاره؛ يعطونه دافعا للعمل الجبار دفاعا عن نفسه، وقوة للثأر من
الذين أذلوه، وحماسا يدفعه للعمل على
إسقاطهم وإسقاط أهدافهم...". ولأنّهم كلهم يريدون سوريا محطمة شعبا وثورة، لا
تقوى في وجوه هيمنتهم، ويتكسّر تحت سنابك الطغيان مشروع تحرّرها، ولأنهم يخافون أن
يتجذّر شعب أبي؛ دعموا، بشدّة، نظام الأسد الاستبدادي، وداسوا بحوافر العنجهية صرخات
المذبوحين والمستغيثين تحت رحى الدماء؛ لكنهم الآن يقفون متخبطين.
إنّ في مخزون الغرب السياسي الوجداني عوالق
وبقايا من الحقد والنهب والفساد، ينفثونها في أجسامنا، لكي نضعف ويبسطوا نفوذهم
وبطشهم... لكن الثورة السوريّة غيرت الأمور، وقلبتها، وأخرجتها عن سيطرتهم.
وفاجأتهم بما لم يتوقعوا مشاهدته في صفوف ثورتها وثوارها. هم كانوا خارج المشهد
الثوري تماما، ومازالوا يحاولون، بآليات تقليدية إيقاف الثورة، بضبطها هنا، أو
عرقلتها هناك، أو احتوائها في مكان آخر؛ وسوف يحاولون دعم فئات على فئات؛ فهم
يكتشفون أنه لم يعد أمامهم إلا العمل على إسقاط صديقهم النظام الدكتاتور الأسدي، لكي
يتخلصوا من الأزمة الخطيرة التي أوجدتها الثورة السوريّة في تحديها الجبار لنظام
الأسد؛ خصوصا، بعد أن أيقنوا أن المستقبل
لم يعد بيد النظام، بل بأيدي من هم على
الأرض يعملون بقوّة وإصرار وعناد على إسقاط النظام؛ وبأنهم لن يحصلوا على أية
نتيجة من دعم النظام لأن إرادة الشعب أثبتت وجودها، وحفرت بدمها مقولتها الثابتة في
إسقاط النظام.
مطامع الغرب السياسي كثيرة، ويهمه، في
الأساس، مصلحته، ولو فيها تدمير بلادنا لكن في الوقت نفسه يهمه ألا تتجذر الحالة الثورية،
وألا يتحوّل الشعب إلى أبطال يتوالدون، وإلى أحرار ومشاريع جهاد.
من الطبيعي أن يفكر النظام الغربي وأمريكا في
السيطرة المستقبلية على الحالة السياسية السوريّة؛ وهما الآن مضطران للاعتراف
بقوّة الثورة السورية وجديتها وخطرها. لكنْ، ليس من السهل أن تنجح أمريكا ونظام الغرب السياسي في
التحكم بالوضع السوري مستقبلا، بتعيين أنظمة عميلة. وحتما سيكون هناك عمل على اختراق الثورة بحيت لا تسير الثورة ضدهم،
وسيحاولون احتواء الثورة بحيث يقللون من حجم
نتائجها السيئة عليهم؛ لأن جوهر الهدف في التعامل مع منطقتنا هو الدفاع عن
مصالحهم وعن وجود إسرائيل. وبالمقابل، ليس أمام الشعب السوري إلا الاستمرار في نهج
ثورته، وسيحقق النصر، بدعم العالم له، أو من دعمه، ولن يقع في مصيدة الاختراق؛ لأن
حجم التضحية أكثر بكثير من أي تنازل أو مساومة، ولأنّ الشعب الذي ناضل بصدره العزل
هو الأشد حرصا على ثورته، والأقوى في دفاعه عنها أمام مشاريع السرقة والخطف
والغدر.
د. سماح هدايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق