الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-09-03

دولة الأمن المفقود (3) هكذا تحولت طرابلس رهينة انفلاش السلاح – بقلم: فادي شامية

المستقبل - الأحد 1 أيلول 2013 - العدد 4792 - شؤون لبنانية - صفحة 3

في عاصمة الشمال كان لآفة السلاح غير الشرعي واقع آخر؛ لا ينفصل عن كون المدينة مستهدفة على خلفية الانتماء السياسي لغالبية أهلها. ازداد نكء الجرح الذي فتحه النظام السوري بين جبل محسن وجواره، والشباب الذين حملوا السلاح للدفاع عن مدينتهم في مواجهة رفعت عيد المدعوم من تحالف الثامن من آذار باتوا بعهدة سياسيي الشمال، لحاجتهم إلى المال والدعم السياسي. و"حزب الله" الذي يخشى أي مكان أو شيء في لبنان لا وجود له فيه، كثّف حضوره في المدينة بعد أيار 2008، فـ "اشترى" مجموعات تخلّى عن دعمها الآخرون، واستنبت مجموعات أخرى، وسلّح حلفاء له في المدينة... باتت عاصمة الشمال غابة من السلاح المنفلت، الذي لا يرضى رعاته أن تكون منزوعة منه أبداً.


تحوُّلُ جبل محسن بؤرة توتر ومعبراً للرسائل المحلية والإقليمية، ودعم "الحزب العربي الديمقراطي" وتدجيجه بالسلاح، وعجز الدولة عن إنهاء هذا الواقع؛ استولد سلاحاً مقابلاً، وجماعات مسلحة تبحث عمّن يرعاها، بحجة أن الفريق الآخر مدعوم سياسياً وعسكرياً، وهو أمر يعرفه الطرابلسيون واللبنانيون جيداً. يعرفون أن رفعت عيد مدعوم بالسلاح والإعلام والسياسة من "حزب الله"، ويعرفون أن خطوط إمداده تمر عبر الأراضي السورية وعبر مناطق نفوذ حليفه سليمان فرنجية (تحدث اللواء أشرف ريفي عن هذا الواقع بوضوح في حزيران الماضي)، ويعرفون أن الحزب "السوري القومي الاجتماعي" ومجموعات "حزب الله" تدعمه من داخل طرابلس ومن خارجها.

الفوضى المسلحة
عجزُ الدولة تجاه صلف رفعت عيد، وتهديده المتواصل لطرابلس بـ "قصفها" و"حرقها" و"إبكائها"؛ شرّع السلاح المقابل على نحو لم تشهده طرابلس من قبل، فانتشر بشكل عشوائي، وشمل مجموعات يتحكم بها "حزب الله"، ومجموعات تتحكم بها أجهزة أمنية محلية، ومجموعات تخضع لسلطة بعض السياسيين في المدينة.

انتشار السلاح، وعبثية حامليه، دفع بالمدينة إلى الفوضى المسلحة، ووصم سمعتها بغير حق بالتطرف والعنف... وربما يدفع مستقبلاً باتجاه السيناريو نفسه الذي جرى في عبرا، بما يحقق مصلحة "حزب الله"، سيما أن للأمر جهوداً وسوابق، وقد ثبت قضائياً أن مجموعة للحزب في الزاهرية تورطت في إطلاق النار على الجيش اللبناني في أيلول من العام الماضي، بقصد جرّه إلى مواجهة مع المجموعات المسلحة في المدينة، وأن مجموعات من آل الموري، وأخرى تنتمي إلى "التوحيد" بجناحيه، فضلاً عن "القومي السوري" هي ظهير للحزب في المدينة، في أي نزاع قد ينشأ، وأن أجهزة مخابراتية معروفة لأبناء طرابلس باتت تسهم في لعبة الأمن والموت.

ويحتم الواقع الطرابلسي وجود ميل سياسي ودعم لقادة المجموعات المسلحة من هذا الفريق أو ذاك، لكن المجموعات الأبرز والأضخم يرعاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لما لهذه الرعاية من فوائد سياسية وأمنية، لا سيما عندما تبرّر هذه المجموعات نفسها بأنها تدافع عن المدينة. يسري ذلك على أبرز قادة المجموعات والمحاور، لا سيما حسام صباغ، وسعد المصري (سئل عنه ميقاتي في 12/12 من العام الماضي في مقابلة إعلامية فقال هو محسوب علي)، ويقوم مدير مكتب ميقاتي، رامي الرفاعي، بالتواصل مع قادة المجموعات على الأرض وتمويلها بما يلزم.

مجموعات ميقاتي
نشاط ميقاتي في هذا المجال ليس جديداً، وبداياته تعود إلى تأسيس شركة "الثقة للأمن" التابعة له، وذلك قبيل الانتخابات النيابية في العام 2009، حيث استقطب ميقاتي مئات الشباب الباحثين عن عمل ووظّفهم في شركته الجديدة، وقد توجه كثير من هؤلاء - بعد صرفهم من وظائفهم - إلى مجموعات الأحياء المسلحة، التي يرعاها ميقاتي.

وهذه المجموعات متعددة المشارب والانتماءات، تواجه مقاتلي جبل محسن فعلياً، لكن دورها يتعدى ذلك، إذ توفر الحماية لبعض الشخصيات، ويسجلّ حضور لها في التظاهرات، وهي من يطلق النار في المناسبات، وهي من يشتبك مع عائلات أخرى أحياناً (اشتباك مجموعة سعد المصري مع آل حروق على سبيل المثال).

وقادة هذه المجموعات هم من اشتبكوا مع مرافقي موكب الوزير فيصل كرامي عن طريق الخطأ، في كانون الثاني الماضي... ومن بين هذه المجموعات خرجت مجموعة تلكلخ التي توجهت إلى سوريا، ولم ينج منها سوى واحد (حسان سرور)؛ الذي أجبره إعلام النظام السوري على الاعتراف بأن من أرسله هو داعي الإسلام الشهال، في حين أن من توسّط لإخراجه فعلياً الرئيس ميقاتي، بحيث تسلّمه المقرب منه سعد المصري، ومن عنده نفى عبر الإعلام صحة ما اعترف به على شاشة إعلام النظام السوري.



أين الحل؟
وإذا كان انفلاش السلاح في طرابلس عامل قلق لأهلها، إلا أن أبناء المدينة لا يرون الحل بضرب هذه المجموعات المسلحة، ما لم تُفَكك كل المجموعات الأخرى، ولا سيما مجموعات رفعت عيد... حتى ذلك الحين ستبقى رعاية هذه المجموعات أمراً "شعبياً"، ما دام "حزب الله" متمسكاً بسلاحه، وما دام أحدهم لا يتورّع عن التهديد بجعل طرابلس كحمص... هكذا يبدو أن السلاح يجر السلاح، وأنه ينمو كالفطر محوّلاً البلد إلى جحيم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق