فادي
شامية- المستقبل - الاثنين 2 أيلول 2013 - العدد 4793 - شؤون لبنانية - صفحة 3
شكلت
ظاهرة الشيخ أحمد الأسير رد فعل نافراً على استكبار السلاح؛ تحوّل خلاله الأسير
إلى نجم تلفزيوني. خلال استقبال قناة "الجديد" للأسير في حزيران من
العام الماضي؛ أطلق جملة من العبارات القاسية تجاه الأمين العام لـ"حزب
الله" السيد حسن نصر الله. ورغم أن كلام الأسير يبقى أقل بكثير من العبارات
التي يطلقها شتامو الإعلام المعروفون والمحميون من "حزب الله" نفسه وعبر
وسائل الإعلام التابعة له نفسها، فإن نيل الأسير من هيبة نصرالله استفزت جماعته،
لا سيما الجناح الأقل انضباطاً: "سرايا المقاومة".
اجتمعت
مجموعة تنتمي إلى "السرايا"، وقررّت معاقبة كل وسيلة إعلامية تتجرأ على
استقبال أو نقل كلام يسيء إلى "سيد المقاومة"، لكن بعض الحاضرين قرروا
أن يحولوا الأمر إلى فرصة جديدة يكررون فيها تأديب العاصمة ككل.
قضت
الخطة بإحراق قناة "الجديد"، وفي الوقت نفسه استهداف قناة "المستقبل"،
ليبدو الأمر كأنه فعل وفعل مضاد، يُنسب الأول إلى مجموعة سلفية رداً على خط
ومقدمات نشرات "الجديد" المنحازة إلى جماعة السلاح، ويُنسب الثاني إلى
أنصار السلاح، فتقع فتنة تشكل الأرضية لتحرك "السرايا" في بيروت كلها.
في
25/6/2012 تحركت مجموعة من الملثمين باتجاه مبنى قناة "الجديد" في وطى
المصيطبة. أطلقت النار في الهواء لإرهاب حراس المبنى، ثم تقدمت بعدها إلى مدخل
القناة، حيث أشعلت الإطارات المطاطية، فيما كانت مجموعة أخرى تنتظر لإلقاء قنابل
حارقة إلى داخل المبنى بهدف إحراقه بالكامل. ووفق الخطة الأصلية كان يفترض أن تعلن
مجموعة دينية سنّية تبني العملية، بالتزامن مع توجه مجموعة أخرى إلى إخبارية
"المستقبل" لإحراقها من باب رد الفعل.
عند
التنفيذ حصل خطأ غير متوقع، إذ لم يستطع قائد المجموعة وسام علاء الدين الانسحاب
الآمن بعد رمي الدواليب المحترقة، لأن النيران أصابت رجله والتهمت جزءاً من ثيابه،
ما أدى إلى تأخر فراره، وتعطل الخطة، ووصول عناصر لـ "شعبة" المعلومات
ألقت القبض عليه. بعد وقت قصير ألقت قوة من الجيش القبض على شخص آخر وبحوزته كمية
من المحروقات، كان ينوي إشعالها، قرب إخبارية "المستقبل"، غير أنه زعم
أنه كان ينوي إحراق نفسه.
مع
شيوع نبأ اعتقال علاء الدين سادت شوارع بيروت أعمال شغب، قامت بها "سرايا
المقاومة"، وصل بعضها إلى وزارة الداخلية، وطريق المطار. أدار هذه العملية
المدعو محمود عكنان، قائد "سرايا المقاومة في بيروت"، فيما عاد أبو علي
كحلون، القيادي في "حزب الله"، علاء الدين في المستشفى، وطلب إليه أن
يتكتم عن باقي العناصر الذين شاركوه التخطيط والتنفيذ للجريمة، ووعده بأن
"حزب الله" لن يتركه.
بعد
نحو شهرين أُخلي سبيل وسام علاء الدين من قبل الهيئة الاتهامية في بيروت، برئاسة
القاضية ندى دكروب، التي فسخت قرار قاضي التحقيق الأول غسان عويدات بإبقاء علاء
الدين موقوفاً بعدما رد طلب إخلاء سبيله، أما المطلوبان الآخران عبد العزيز علي
قاسم وسميح علي عاصي فبقيا فارين. ولم تعترض قناة "الجديد" على قرار ترك
الموقوف بصفتها جهة مدعية. وهكذا اعتبر القضاء أن جريمة علاء الدين جنحة متمثلة
بمحاولة إحراق مبنى، وليس تشكيل جماعة أشرار، ومحاولة قتل وخلق فتنة الله أعلم
بمداها!.
وكما
عند توقيفه، فقد روع إطلاق سراح علاء الدين أهالي بيروت، نتيجة كثافة إطلاق النار
ابتهاجاً، والذي أدى أيضاً إلى إصابة رقيب أول في فوج إطفاء بيروت بجروح. والأكثر
غرابة أن علاء الدين لم يُظهر ندماً على ما فعل في أول تصريح له بعد إخلاء سبيله،
بل أكد أنه "مستعد لفعل أي شيء إذا تعرض أحد لكرامة السيد حسن نصر الله"!.
خضوع
حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لحكم السلاح لم تظهر آثاره في بيروت فقط، ففي صيدا كان
الشيخ أحمد الأسير ينتفض على حكم السلاح باعتصام في حزيران من العام الماضي. انفض
الاعتصام بوعود غير قابلة للصرف، وغض طرف عن قيام "مربع أمني" للأسير في
صيدا. بعد خمسة أشهر قرر الأسير "تنظيف" صيدا من رايات "حزب
الله"، ولدى محاولة إزالة إحدى الصور تعرّض لكمين، فقُتل اثنان من مرافقيه.
صدرت مذكرات توقيف بحق المتورطين في جريمة القتل، لكن أحداً لم يوقفهم، مع أنهم
غير متوارين، لكن خيمة "حزب الله" فوقهم منعت توقيفهم!.
تسبب
هذا الواقع بجنوح خطير نحو التسلح لدى الأسير وأنصاره، زاده تأصيلاً تعرض مسجد
بلال بن رباح لاستفزازات متكررة من قبل جماعة السرايا نفسها، لكن الشرارة التي
فاقمت الموضوع تلك الشقق المسلحة لـ"حزب الله" قبالة وفي جوار مسجد بلال
بن رباح... تراكم إخفاقات الحكومة عن تفهم مخاطر خضوعها لسلطة السلاح أدى إلى
الانفجار الكبير لظاهرة الأسير في 23/7/2013، على النحو المعروف، والذي لم يكن "حزب
الله" بعيداً عنه أيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق