"فرق كبير بين أن تنظر إلى سقف وأن تنظر إلى أفق. السقف
قفص. والأفق حرية". ليس تحليلاً في واقع
المرأة بعد الثورات وشرح دورها وأهميته. لكنّ الفكرة هي إضاءة نقطة في غاية
الأهمية تتمثّل في الطّاقة العقلية الثوريّة التي أنتجتها الثورات بحراك المرأة
التحرّري الثوري على الأرض... في سياق المشروع الثوري التحرري. فالقوة التي حملتها
المرأة، بالتحديد، في الثورة السورية،
يكمن في تجسيدها الحي الواقعي والتزامها المخلص للمباددىء الجوهريّة التي خرجت
الثورات لأجلها، وهي الحرية والكرامة والعدالة.
لعلّ
من أهم الإنجازات التي قدمتها المرأة السورية للثورة على الأرض هو تجذير مشروع
الحرية والديمقراطيّة والكرامة، إذ حملته، يوميا بوعي ذاتي وبصدق والتزام، على الرغم
من أوجاعها وآلامها الفردية والأسريّة والعائليّةّ والمجتمعيّة، وسارت به فوق درب الكفاح
للحريّة، من خلال خروجها الجريء على سطوة محرمات الجهل المذلة التي كانت ومازالت
تعمل على ابتزاز إنسانيتها وتهميش دورها وتكريس تبعيتها المذلة. محرمات يشرعها القائمون
بخدمة الطغيان، وفق أوامره ومصالحه وينشرها أعوانه من كهنوت الدين والفكر والقانون
في المؤسسات الدينية والثقاقيّة والتشريعية والتفيذيّة التي تضع يدها على العرف الاجتماعي والمزاج
السياسي والمناخ الفكري، وتدير سير
العلاقات الاجتماعيّة والسياديّة، فتعزل المرأة، بقصد، عن الحراك النهضوي والثوري
التحرري والإنتاجي المبدع، لكي تخلق شرخا في المجتمع يمنع تآلفه ونموّه بما
يخدم مصالح القوى السلطويّة. وقد برز تأثير ذلك واضحا في الثورة عبر ممارسات كثيرة لتقييد المرأة وكبح
أدائها الثوري بهدف إضعاف الثورة وإسقاط مشروعيتها وإضعاف حاضنتها.
قد أخذ التحريض على عمل المرأة
الثوري بتحريم خروجها في المظاهرات
والمسيرات عناوين دينية مجزوءة، مستمدة من ثقافات بائدة جاهلة قاصرة، مثل عدم
مخالفة ولي الأمر ووجوب طاعته، ومثل قوانين المكروه والمحرم,,, ومثل مفهوم درء
الأذى والحفاظ على الأعراض والشرف، ومثل تجنب
المفاسد، لأن السلامة وحماية المصالح هما الأساس(مصالح الذكوريّة السياسية
والاجتماعيّة)، ومثل لزوم البيت صونا للشرف وتجنبا للمعاصي، تدور حول العجز
والضعف...وهو ما استحوذ على الخطاب الديني الرسمي وغير الرسمي الذي تدعمه سلطة النظام
وعصاباتها، بشكل منظّم سياسيا وثقافيّا، على نحو مباشر سياسيا وأمنيا وقانونيا،
ونحو غير مباشر، ثقافيّا واجتماعيّا، بقيادة مختلف أجهزة الدولة الاستبدادية
القمعيّة.
جاء الموقف الثوري للمرأة السوريّة، على الرغم من شدة القبضة الغليظة التي تحكم المرأة ومصيرها، معاكسا لتيار تدجينها وترويضها وترهيبها،بإصرارها اليومي المذهل على دعم مشروع الثورة ومشروعيتها، يحمل قدرا كبيرا من الشجاعة والبطولة، ويفعّل مبادىء الثورة على الأرض، في الواقع والتصوّر الخلّاق، مقدما دروس التضحية والمقاومة والبذل، يمد مشروعها بطاقة هائلة تدفعها نحو الاستمرار والتحقّق.... فعندما صمدت المرأة السورية على الأرض في مواجهة عنف شديد ووحشي مارسه ضدها نظام الأسد وعصاباته المستعرة، بالهجوم عليها عن طريق الاغتصاب والتعذيب والاعتداء والاعتقال والقتل والتشريد وذبح أطفالها وتجويعها وإذلالها واستغلال أمومتها ...كانت تقدم أمثلة في الصمود والتفاني والإخلاص لمشروع وطني سياسي إنساني نهضوي. فقاومت حالات انتهاكات شديدة ، لها وقعها الشديد وتأثيرها السلبي المدمر في مجتمع رجعي ينتفض في كثير أماكنه ذكوريّة عمياء، حين يجري التعدي على المرأة باسم العرض والشرف واسم العائلة والأخلاق والحشمة. وكانت تخوض خضم هذا التردي الاجتماعي والسياسي، بقوة أصلب من الرجل وأشد في محاربة منظومة الاستبداد والقهر، وتقدم فعلا وطنيا سياسيا في غاية الأهمية يتمثّل في توطيد مشروع الحرية والكرامة والنضال تحت أقسى الظروف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق